البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧١٥
ويلزمهم من لفظ الآية أنهم مستدعو الحرب والباغون، إذ هم الآذنون فيها، وبها، ويندرج في هذا علمهم بأنه حرب اللّه، وتيقنهم لذلك. انتهى كلامه. فيظهر منه ان الباء في : بِحَرْبٍ ظرفية. أي : فاذنوا في حرب، كما تقول أذن في كذا، ومعناه أنه سوغه ومكن منه.
قال أبو علي : ومن قرأ فآذنوا بالمدّ، فتقديره : فأعلموا من لم بنته عن ذلك بحرب، والمفعول محذوف، وقد ثبت هذا المفعول في قوله تعالى : فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ «١» وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة، قال : ففي إعلامهم علمهم، وليس في علمهم إعلامهم غيرهم.
فقراءة المد أرجح، لأنها أبلغ وآكد.
وقال الطبري : قراءة القصر أرجح لأنها تختص بهم، وإنما أمروا على قراءة المدّ بإعلام غيرهم، وقال ابن عطية : والقراءتان عندي سواء، لأن المخاطب محصور، لأنه كل من لم يذر ما بقي من الربا، فإن قيل : فآذنوا، فقد عمهم الأمر. وإن قيل : فآذنوا، بالمدّ فالمعنى : أنفسكم، أو : بعضكم بعضا. وكأن هذه القراءة تقتضي فسحا لهم في الارتياء والتثبت، فأعلموا نفوسكم هذا، ثم انظروا في الأرجح لكم : ترك الربا أو الحرب. انتهى.
وروي : أنها لما نزلت قالت ثقيف : لا يد لنا بحرب اللّه ورسوله.
ومن، في قوله : من اللّه، لابتداء الغاية، وفيه تهويل عظيم، إذ الحرب من اللّه تعالى ومن نبيه صلى اللّه عليه وسلم لا يطيقه أحد، ويحتمل أن تكون للتبعيض على حذف مضاف، أي : من حروب اللّه.
قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل بحرب اللّه ورسوله؟ قلت : كان هذا أبلغ لأن المعنى : فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند اللّه ورسوله. انتهى. وإنما كان أبلغ لأن فيها نصا بأن الحرب من اللّه لهم، فاللّه تعالى هو الذي يحاربهم، ولو قيل : بحرب اللّه، لاحتمل أن تكون الحرب مضافة للفاعل، فيكون اللّه هو المحارب لهم، وأن تكون مضافة للمفعول، فيكونوا هم المحاربين اللّه. فكون اللّه محاربهم أبلغ وأزجر في الموعظة من كونهم محاربين اللّه.
(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ١٠٩.