البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٢٤
والمستقرض، والتثنية تقتضي أن لا ينفرد أحد المتعاملين لأن يتهم في الكتابة، فإذا كانت واقعة بينهما كان كل واحد منهما مطلعا على ما سطره الكاتب.
ومعنى : بالعدل، أي : بالحق والإنصاف بحيث لا يكون في قلبه ولا في قلمه ميل لأحدهما على الآخر.
واختلف فيما يتعلق به : بالعدل، فقال الزمخشري : بالعدل، متعلق بكاتب صفة له، أي : بكاتب مأمون على ما يكتب، يكتب بالسوية والاحتياط، لا يزيد على ما يجب أن يكتب، ولا ينقص. وفيه أن يكون الكاتب فقيها عالما بالشروط، حتى يجيء مكتوبه معدّلا بالشرع، وهو أمر للمتداينين بتخير الكاتب، وأن لا يستكتبوا إلّا فقيها دينا.
وقال ابن عطية : والباء متعلقة بقوله تعالى : وليكتب، وليست متعلقة بكاتب، لأنه كان يلزم أن لا يكتب وثيقة إلّا العدل في نفسه، وقد يكتبها الصبي والعبد والمتحوط إذا أقاموا فقهها، أما أن المنتخبين لكتبها لا يجوز للولاة أن يتركوهم إلّا عدولا مرضيين، وقيل : الباء زائدة، أي فليكتب بينكم كاتب العدل.
وقال القفال في معنى بِالْعَدْلِ : أن يكون ما يكتبه متفقا عليه بين أهل العلم، لا يرفع إلى قاض فيجد سبيلا إلى إبطاله بألفاظ لا يتسع فيها التأويل، فيحتاج الحاكم إلى التوقف.
وقرأ الحسن : وليكتب، بكسر لام الأمر، والكسر الأصل.
وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ نهى الكاتب عن الامتناع من الكتابة.
و : كاتب، نكرة في سياق النهي، فتعم. وأن يكتب مفعول : ولا يأب، ومعنى : كما علمه اللّه، أي : مثل ما علمه اللّه من كتابة الوثائق، لا يبدّل ولا يغير، وفي ذلك حث على بذل جهده في مراعاة شروطه مما قد لا يعرفه المستكتب، وفيه تنبيه على المنة بتعليم اللّه إياه.
وقيل : المعنى كما أمره اللّه به من الحق، فيكون : علم، بمعنى : أعلم، وقيل :
المعنى كما فضله اللّه بالكتاب، فتكون الكاف للتعليل، أي : لأجل ما فضله اللّه، فيكون كقوله وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ «١» أي : لأجل إحسان اللّه إليك. والظاهر تعلق الكاف بقوله : أن يكتب، وقيل : تم الكلام عند قوله : أن يكتب، وتتعلق الكاف بقوله :
(١) سورة القصص : ٢٨/ ٧٧.