البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٣٩
وبنى لقوله : وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ لأن ما بعد امتثال أمر اللّه هو الشهادة بعد الكتابة، وجاء بالياء. وأدنى ألا يرتابوا لأن انتفاء الريبة مترتب على طاعة اللّه في الكتابة والإشهاد، فعنهما تنشأ أقربية انتفاء الريبة، إذ ذلك هو الغاية في أن لا يقع ريبة، وذلك لا يتحصل إلا بالكتب والإشهاد غالبا، فيثلج الصدر بما كتب، وأشهد عليه.
و : ترتابوا، بني افتعل من الريبة، وتقدم تفسيرها في قوله لا رَيْبَ فِيهِ «١» قيل :
والمعنى : أن لا ترتابوا بمن عليه الحق أن ينكر، وقيل : أن لا ترتابوا بالشاهد أن يضل، وقيل : في الشهادة ومبلغ الحق والأجل، وقيل : المعنى أقرب لنفي الشك للشاهد والحاكم والمتعاملين، وما ضبط بالكتابة والإشهاد لا يكاد يقع فيه شك ولا لبس ولا نزاع.
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها في التجارة الحاضرة قولان : أحدهما : ما يعجل ولا يدخله أجل من بيع وثمن والثاني : ما يجوزه المشتري من العروض المنقولة، وذلك في الأغلب إنما هو في قليل : كالمطعوم، بخلاف الأملاك. ولهذا قال السدي، والضحاك : هذا فيما إذا كان يدا بيد تأخذه وتعطي.
وفي معنى الإدارة، قولان : أحدهما : يتناولونها من يد إلى يد. والثاني يتبايعونها في كل وقت، والإدارة تقتضي التقابض والذهاب بالمقبوض، ولما كانت الرباع والأرض، وكثير من الحيوان لا تقوى البينونة، ولا يعاب عليها حسن الكتب والإشهاد فيها، ولحقت بمبايعة الديون، ولما كانت الكتابة في التجارة الحاضرة الدائرة بينهم شاقة، رفع الجناح عنهم في تركها، ولأن ما بيع نقدا يدا بيد لا يكاد يحتاج إلى كتابة، إذ مشروعية الكتابة إنما هي لضبط الديون، إذ بتأجيلها يقع الوهم في مقدارها وصفتها وأجلها، وهذا مفقود في مبايعة التاجر يدا بيد. وهذا الاستثناء في قوله : إلّا أن تكون، منقطع لأن ما بيع لغير أجل مناجزة لم يندرج تحت الديون المؤجلة. وقيل : هو استثناء متصل، وهو راجع إلى قوله إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ إلّا أن يكون الأجل قريبا. وهو المراد من التجارة الحاضرة. وقيل : هو متصل راجع إلى قوله : وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ وقرأ عاصم : تجارة حاضرة، بنصبهما على أن كان ناقصة، التقدير إلّا أن تكون هي أي التجارة. وقرأ الباقون برفعهما على أن يكون : تكون، تامة. و : تجارة، فاعل بتكون،
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢. وآل عمران : ٣/ ٩ و٢٥ والنساء : ٤/ ٨٧ والأنعام : ٦/ ١٢، ويونس : ١٠/ ٣٧ والإسراء : ١٧/ ٩٩. والسجدة : ٣٢/ ٢. والشورى : ٤٢/ ٧. والجاثية : ٤٥/ ٢٦.
.