البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٤٠
وأجاز بعضهم أن تكون ناقصة وخبرها الجملة من قوله : تديرونها بينكم. ونفي الجناح هنا معناه لا مضرة عليكم في ترك الكتابة، هذا على مذهب أكثر المفسرين، إذ الكتابة عندهم ليست واجبة، ومن ذهب إلى الوجوب فمعنى : لا جناح، لا إثم.
وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ هذا أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا، ناجزا أو كالئا، لأنه أحوط وأبعد مما عسى أن يقع في ذلك من الاختلاف، وقيل : يعود إلى التجارة الحاضرة، لما رخص في ترك الكتابة أمروا بالإشهاد.
قيل : وهذه الآية منسوخة بقوله : فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً روي ذلك عن الجحدري، والحسن، وعبد الرحمن بن يزيد، والحكم. وقيل : هي محكمة، والأمر في ذلك على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري، وابن عمر، والضحاك، وابن المسيب، وجابر بن زيد، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم، والشعبي، والنخعي، وداود بن علي، وابنه أبو بكر، والطبري.
قال الضحاك : هي عزيمة من اللّه ولو على باقة بقل. وقال عطاء : أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم، أو نصف درهم، أو ثلاثة دراهم، أو أقل من ذلك. وقال الطبري : لا يحل لمسلم إذا باع وإذا اشترى إلّا أن يشهد، وإلّا كان مخالفا لكتاب اللّه عز وجل. وذهب الحسن وجماعة إلى أن هذا الأمر على الندب والإرشاد لا على الحتم. قال ابن العربي :
وهذا قول الكافة.
وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ هذا نهي، ولذلك فتحت الراء لأنه مجزوم. والمشدّد إذا كان مجزوما كهذا كانت حركته الفتحة لخفتها، لأنه من حيث أدغم لزم تحريكه، فلو فك ظهر فيه الجزم.
واحتمل هذا الفعل أن يكون مبنيا للفاعل فيكون الكاتب والشهيد قد نهيا أن يضارا أحدا بأن يزيد الكاتب في الكتابة، أو يحرف. وبأن يكتم الشاهد الشهادة، أو يغيرها أو يمتنع من أدائها. قال معناه الحسن، وطاووس، وقتادة، وابن زيد. واختاره : الزجاج لقوله بعد : وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ لأن اسم الفسق بمن يحرف الكتابة، ويمتنع من الشهادة، حتى يبطل الحق بالكلية أولى منه بمن أبرم الكاتب والشهيد، ولأنه تعالى قال، فيمن يمتنع من أداء الشهادة وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ والآثم والفاسق متقاربان. وقال ابن عباس، ومجاهد، وعطاء : بأن يقولا : علينا شغل ولنا حاجة.


الصفحة التالية
Icon