البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٤١
واحتمل أن يكون مبنيا للمفعول، فنهى أن يضارّهما أحد بأن يعنتا، ويشق عليهما في ترك أشغالهما، ويطلب منهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة قال معناه أيضا ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، والضحاك، والسدي.
ويقوي هذا الاحتمال قراءة عمر : ولا يضارر، بالفك وفتح الراء الأولى. رواها الضحاك عن ابن مسعود، وابن كثير عن مجاهد، واختاره الطبري لأن الخطاب من أول الآيات إنما هو للمكتوب له، وللمشهود له، وليس للشاهد والكاتب خطاب تقدّم، إنما رده على أهل الكتابة والشهادة، فالنهي لهم أبين أن لا يضار الكاتب والشهيد فيشغلونهما عن شغلهما، وهم يجدون غيرهما. ورجح هذا القول بأنه لو كان خطابا للكاتب والشهيد لقيل :
وإن تفعلا فإنه فسوق بكما، وإذا كان خطابا للمداينين فالمنهيون عن الضرار هم، وحكى أبو عمرو عن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وابن أبي إسحاق : أن الراء الأولى مكسورة، وحكى عنهم أيضا فتحها، وفك الفعل. والفك لغة الحجاز، والإدغام لغة تميم.
وقرأ ابن القعقاع، وعمرو بن عبيد : ولا يضار، بجزم الراء، وهو ضعيف لأنه في التقدير جمع بين ثلاث سواكن، لكن الألف لمدّها يجري مجرى المتحرك، فكأنه بقي ساكنان، والوقف عليه ممكن. ثم أجريا الوصل مجرى الوقف.
وقرأ عكرمة : ولا يضارر، بكسر الراء الأولى والفك، كاتبا ولا شهيدا بالنصب أي :
لا يبدأهما صاحب الحق بضرر.
ووجوه المضارة لا تنحصر، وروى مقسم عن عكرمة أنه قرأ : ولا يضارّ، بالإدغام وكسر الراء لالتقاء الساكنين.
وقرأ ابن محيصن : ولا يضارّ، برفع الراء المشدّدة، وهي نفي معناه النهي. وقد تقدّم تحسين مجيء النهي بصورة النفي، وذلك أن النهي إنما يكون عن ما يمكن وقوعه، فإذا برز في صورة النفي كان أبلغ، لأنه صار مما لا يقع، ولا ينبغي أن يقع.
وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ظاهره أن مفعول : تفعلوا، المحذوف راجع إلى المصدر المفهوم من قوله : ولا يضار، وإن تفعلوا لمضارة أو الضرار فإنه، أي الضرار، فسوق بكم أي : ملتبس بكم، أو تكون الباء ظرفية، أي : فيكم، وهذا أبلغ، إذ جعلوا محلا للفسق.
والخطاب في : تفعلوا، عائد على الكاتب والشاهد، إذ كان قوله : ولا يضار، قد قدر


الصفحة التالية
Icon