البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٤
إلا اللعنة. وقيل : يعود على النار، أضمرت لدلالة المعنى عليها، ولكثرة ما جاء في القرآن من قوله : خالدين فيها، وهو عائد على النار، ولدلالة اللعنة على النار، لأن كل من لعنه اللّه فهو في النار. لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ : سبق الكلام على مثل هاتين الجملتين تلو قوله أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ «١»، الآية، فأغنى عن إعادته هنا. إلا أن الجملة من قوله : لا يُخَفَّفُ هي في موضع نصب من الضمير المستكن في خالدين، أي غير مخفف عنهم العذاب. فهي حال متداخلة، أي حال من حال، لأن خالدين حال من الضمير في عليهم. ومن أجاز تعدي العامل إلى حالين لذي حال واحد، أجاز أن تكون الجملة من قوله : لا يُخَفَّفُ، حال من الضمير في عليهم، ويجوز أن تكون : لا يخفف جملة استئنافية، فلا موضع لها من الإعراب. وفي آخر الجملة الثانية، هناك : ولا ينصرون، نفى عنهم النصر، وهنا : ولا هم ينظرون، نفي الأنظار، وهو تأخير العذاب.
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ الآية.
روي عن ابن عباس أنها نزلت في كفار قريش، قالوا :
يا محمد، صف وانسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص وهذه الآية. وروي عنه أيضا أنه كان في الكعبة
، وقيل حولها، ثلاثمائة وستون صنما يعبدونها من دون اللّه، فنزلت. وظاهر الخطاب أنه لجميع المخلوقات المتصور منهم العبادة، فهو إعلام لهم بوحدانية اللّه تعالى.
ويحتمل أن يكون خطابا لمن قال : صف لنا ربك وانسبه، أو خطابا لمن يعبد مع اللّه غيره من صنم ووثن ونار. وإله : خبر عن إلهكم، وواحد : صفته، وهو الخبر في المعنى لجواز الاستغناء عن إله، ومنع الاقتصار عليه، فهو شبيه بالحال الموطئة، كقولك : مررت بزيد رجلا صالحا. والواحد المراد به نفي النظير، أو القديم الذي لم يكن معه في الأزل شيء، أو الذي لا أبعاض له ولا أجزاء، أو المتوحد في استحقاق العبادة. أقوال أربعة أظهرها الأول. تقول : فلان واحد في عصره، أي لا نظير له ولا شبيه، وليس المعنى هنا بواحد مبدأ العدد.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ : توكيد لمعنى الوحدانية ونفي الإلهية عن غيره. وهي جملة جاءت لنفي كل فرد فرد من الآلهة، ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى، فدلت الآية الأولى على نسبة الواحدية إليه تعالى، ودلت الثانية على حصر الإلهية فيه من اللفظ الناص على ذلك، وإن كانت الآية الأولى تستلزم ذلك، لأن من ثبتت له الواحدية ثبتت له الإلهية.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٨٦.


الصفحة التالية
Icon