البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٥
وتقدم الكلام على إعراب الاسم بعد لا في قوله : لا رَيْبَ فِيهِ «١»، والخبر محذوف، وهو بدل من اسم لا على الموضع، ولا يجوز أن يكون خبرا. كما جاز ذلك في قولك : زيد ما العالم إلا هو، لأن لا لا تعمل في المعارف، هذا إذا فرعنا على أن الخبر بعد لا التي يبنى الاسم معها هو مرفوع بها، وأما إذا فرعنا على أن الخبر ليس مرفوعا بها، بل هو خبر المبتدأ الذي هو لا مع المبني معها، وهو مذهب سيبويه، فلا يجوز أيضا، لأنه يلزم من ذلك جعل المبتدأ نكرة، والخبر معرفة، وهو عكس ما استقر في اللسان العربي. وتقرير البدل فيه أيضا مشكل على قولهم : إنه بدل من إله، لأنه لا يمكن أن يكون على تقدير تكرار العامل، لا تقول : لا رجل إلا زيد. والذي يظهر لي فيه أنه ليس بدلا من إله ولا من رجل في قولك : لا رجل إلا زيد، إنما هو بدل من الضمير المستكن في الخبر المحذوف، فإذا قلنا : لا رجل إلا زيد، فالتقدير : لا رجل كائن أو موجود إلا زيد. كما تقول : ما أحد يقوم إلا زيد، فزيد بدل من الضمير في يقوم لا من أحد، وعلى هذا يتمشى ما ورد من هذا الباب، فليس بدلا على موضع اسم لا، وإنما هو بدل مرفوع من ضمير مرفوع، ذلك الضمير هو عائد على اسم لا. ولولا تصريح النحويين أنه يدل على الموضع من اسم لا، لتأوّلنا كلامهم على أنهم يريدون بقولهم بدل من اسم لا، أي من الضمير العائد على اسم لا. قال بعضهم : وقد ذكر أن هو بدل من إله على المحل، قال : ولا يجوز فيه النصب هاهنا، لأن الرفع يدل على الاعتماد على الثاني، والمعنى في الآية على ذلك، والنصب على أن الاعتماد على الأول. انتهى كلامه. ولا فرق في المعنى بين : ما قام القوم إلا زيد، وإلا زيدا، من حيث أن زيدا مستثنى من جهة المعنى.
إلا أنهم فرقوا من حيث الإعراب، فأعربوا ما كان تابعا لما قبله بدلا، وأعربوا هذا منصوبا على الاستثناء، غير أن الإتباع أولى للمشاكلة اللفظية، والنصب جائز، ولا نعلم في ذلك خلافا.
وقال في المنتخب : لما قال تعالى : وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، أمكن أن يخطر ببال أحد أن يقول : هب أن إلهنا واحد، فلعل إله غيرنا مغاير لإلهنا، فلا جرم. أزال ذلك الوهم ببيان التوحيد المطلق فقال : لا إله إلا هو. فقوله : لا إله يقتضي النفي العام الشامل، فإذا قال بعده : إلا اللّه، أفاد التوحيد التامّ المطلق المحقق. ولا يجوز أن يكون في الكلام حذف، كما يقوله النحويون، والتقدير : لا إله لنا، أو في الوجود، إلا اللّه، لأن هذا غير مطابق
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢.