البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٦
للتوحيد الحق، لأنه إن كان المحذوف لنا، كان توحيدا لإلهنا لا توحيدا للإله المطلق، فحينئذ لا يبقى بين قوله : وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، وبين قوله : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فرق، فيكون ذلك تكرارا محضا، وأنه غير جائز. وأما إن كان المحذوف في الوجود، كان هذا نفيا لوجود الإله الثاني. أما لو لم يضمر، كان نفيا لماهية الإله الثاني، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره، والإعراض عن هذا الإضمار أولى، وإنما قدم النفي على الإثبات، لغرض إثبات التوحيد، ونفي الشركاء والأنداد. انتهى الكلام.
قال أبو عبد اللّه محمد بن أبي الفضل المرسي في (ريّ الظمآن) : هذا كلام من لا يعرف لسان العرب. فإن لا إله في موضع المبتدأ، على قول سيبويه، وعند غيره اسم لا، وعلى التقديرين، لا بد من خبر للمبتدأ، أو للا، فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد. وأما قوله : إذا لم يضمر كان نفيا للماهية، قلنا : نفي الماهية هو نفي الوجود، لأن نفي الماهية لا يتصوّر عندنا إلا مع الوجود، فلا فرق عنده بين لا ماهية ولا وجود، وهذا مذهب أهل السنة، خلافا للمعتزلة، فإنهم يثبتون الماهية عرية عن الوجود، والدليل يأبى ذلك. انتهى كلامه، وما قاله من تقدير خبر لا بد منه، لأن قوله : لا إله، كلام، فمن حيث هو كلام، لا بد فيه من مسنده ومسند إليه. فالمسند إليه هو إله، والمسند هو الكون المطلق، ولذلك ساغ حذفه، كما ساغ بعد قولهم : لولا زيد لأكرمتك، إذ تقديره : لولا زيد موجود، لأنها جملة تعليقية، أو شرطية عند من يطلق عليها ذلك، فلا بد فيها من مسند ومسند إليه، ولذلك نقلوا أن الخبر بعد لا، إذا علم، كثر حذفه عند الحجازيين، ووجب حذفه عند التميميين. وإذا كان الخبر كونا مطلقا، كان معلوما، لأنه إذا دخل النفي المراد به نفي العموم، فالمتبادر إلى الذهن هو نفي الوجود، لأنه لا تنتفي الماهية إلا بانتفاء وجودها، بخلاف الكون المقيد، فإنه لا يتبادر الذهن إلى تعيينه، فلذلك لا يجوز حذفه نحو : لا رجل يأمر بالمعروف إلا زيد، إلا إن دل على ذلك قرينة من خارج فيعلم، فيجوز حذفه.
الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ : ذكر هاتين الصفتين منبها بهما على استحقاق العبادة له، لأن من ابتدأك بالرحمة إنشاء بشرا سويا عاقلا وتربية في دار الدنيا موعودا الوعد الصدق بحسن العاقبة في الآخرة، جدير بعبادتك له والوقوف عند أمره ونهيه، وأطمعك بهاتين الصفتين في


الصفحة التالية
Icon