البحر المحيط، ج ٢، ص : ٧٨
أفلاك، يجمعها الفلك المحيط. وقد صح
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد».
وصح أيضا :
«أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفا، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة».
وآية الأرض : بسطها، لا دعامة من تحتها ولا علائق من فوقها، وأنهارها ومياهها وجبالها ورواسيها وشجرها وسهلها ووعرها ومعادنها، واختصاص كل موضع منها بما هيىء له، ومنافع نباتها ومضارها. وذكر أرباب الهيئة أن الأرض نقطة في وسط الدائرة ليس لها جهة، وأن البحار محيطة بها، والهواء محيط بالماء، والنار محيطة بالهواء، والأفلاك وراء ذلك. وقد ذكر القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتابه المعروف (بالدقائق) خلافا عن الناس المتقدمين : هل الأرض واقفة أم متحركة؟ وفي كل قول من هذين مذاهب كثيرة في السبب الموجب لوقوفها، أو لتحركها. وكذلك تكلموا على جرم السموات ولونها وعظمها وأبراجها، وذكر مذاهب للمنجمين والمانوية، وتخاليط كثيرة. والذي تكلم عليه أهل الهيئة هو شيء استدلوا عليه بعقولهم، وليس في الشرع شيء من ذلك. والمعتمد عليه أن هذه الأشياء لا يعلم حقيقة خلقها إلا اللّه تعالى، ومن أطلعه اللّه على شيء منها بالوحي أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً «١»، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً «٢».
وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ : اختلافهما بإقبال هذا وإدبار هذا، أو اختلافهما بالأوصاف في النور والظلمة، والطول والقصر، أو تساويهما، قاله ابن كيسان. وقدم الليل على النهار لسبقه في الخلق، قال تعالى : وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ»
. وقال قوم : إن النور سابق على الظلمة، وعلى هذا الخلاف انبنى الخلاف في ليلة اليوم. فعلى القول الأول : تكون ليلة اليوم هي التي قبله، وهو قول الجمهور وعلى القول الثاني : ليلة اليوم هي الليلة التي تليه، وكذلك ينبني على اختلافهم في النهار، اختلافهم في مسألة : لو حلف لا يكلم زيدا نهارا.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ : أول من عمل الفلك نوح، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، وقال له جبريل عليه السلام : ضعها على جؤجؤ الطائر.
فالسفينة طائر مقلوب، والماء في أسفلها نظير الهواء في أعلاها، قاله أبو بكر بن العربي. وآيتها تسخير اللّه إياها حتى تجري على وجه الماء، ووقوفها فوقه مع ثقلها وتبليغها المقاصد. ولو رميت

_
(١) سورة الطلاق : ٦٥/ ١١.
(٢) سورة الجن : ٧٢/ ٢٨.
(٣) سورة يس : ٣٦/ ٣٧.


الصفحة التالية
Icon