البحر المحيط، ج ٣، ص : ١١٩
يعترض جملتان بين طالب ومطلوب، بل اعترض بين القسم الذي هو : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «١» وجوابه الذي هو : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «٢» بجملة واحدة وهي قوله : وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ «٣» لكنه جاء في جملة الاعتراض بين بعض أجزائه وبعض، اعتراض بجملة وهي قوله : لَوْ تَعْلَمُونَ «٤» اعترض به بين المنعوت الذي هو : لقسم، وبين نعته الذي هو : عظيم، فهذا اعتراض في اعتراض، فليس فصلا بجملتي اعتراض لقوله : وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وسمي من الأفعال التي تتعدى إلى واحد بنفسها، وإلى آخر بحرف الجر، ويجوز حذفه، وإثباته هو الأصل، يقول : سميت ابني بزيد، وسميته زيدا. قال :
وسميت كعبا بشر العظام وكان أبوك يسمى الجعل
أي : وسميت بكعب، ويسمى : بالجعل، وهو باب مقصور على السماع، وفيه خلاف عن الأخفش الصغير، وتحرير ذلك في علم النحو.
وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ أتى خبر : إن، مضارعا وهو :
أعيذها، لأن مقصودها ديمومة الاستعاذة، والتكرار بخلاف : وضعتها، وسميتها، فإنهما ماضيان قد انقطعا، وقدّمت ذكر المعاذ به على المعطوف على الضمير للاهتمام به، ثم استدركت بعد ذلك الذكر ذريتها، ومناجاتها اللّه بالخطاب السابق إنما هو وسيلة إلى هذه الاستعاذة، كما يقدّم الإنسان بين يدي مقصوده ما يستنزل به إحسان من يقصده، ثم يأتي بعد لك بالمقصود، وورد في الحديث، من رواية أبي هريرة :«كل مولولد من بني آدم له طعن من الشيطان، وبها يستهل الصبي، إلّا ما كان من مريم ابنة عمران وابنها، فإن أمّها قالت حين وضعتها : واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم. فضرب بينهما حجاب فطعن الشيطان في الحجاب».
وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث من طرق، والمعنى واحد. وطعن القاضي عبد الجبار في هذا الحديث، قال : لأنه خبر واحد على خلاف الدليل، فوجب رده، وإنما كان على خلاف الدليل لأن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الشر والخير، والصبي ليس كذلك، ولأنه لو تمكن من هذا المس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وغير

_
(١) سورة الواقعة : ٥٦/ ٧٥.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ٧٧.
(٤ - ٣) سورة الواقعة : ٥٦/ ٧٦.


الصفحة التالية
Icon