البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٧٨
منهم، فكنى عن إخراجه منهم وتخليصه بالتطهير، وأتى بلفظ الظاهر لا بالضمير، وهو :
الذين كفروا، إشارة إلى علة الدنس والنجس وهو الكفر، كما قال : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ «١» وكما
جاء في الحديث :«المؤمن لا ينجس»
فجعل علة تطهيره الإيمان.
وقيل : مطهرك من أذى الكفرة. وقيل : من الكفر والفواحش. وقيل : مما قالوه فيك وفي أمك. وقيل : ومطهرك أي مطهر بك وجه الناس من نجاسة الكفر والعصيان.
وقال الراغب : متوفيك : آخذك عن هواك، ورافعك إلي عن شهواتك، ولم يكن ذلك رفعا مكانيا وإنما هو رفعة المحل، وإن كان قدر رفع إلى السماء، وتطهيره من الكافرين إخراجه من بينهم. وقيل : تخليصه من قتلهم، لأن ذلك نجس طهره اللّه منه. قال أبو مسلم : التخليص والتطهير واحد، إلّا أن لفظ التطهير فيه رفعة للمخاطب، كما أن الشهود والحضور واحد، وفي الشهود رفعة. ولهذا ذكره اللّه في المؤمنين، وذكر الحضور والإحضار في الكافرين.
وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ الكاف : ضمير عيسى كالكاف السابقة. وقيل : هو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو من تلوين الخطاب. انتهى هذا القول، ولا يظهر. ومعنى اتبعوك : أي في الدين والشريعة، وهم المسلمون. لأنهم متبعوه في أصل الإسلام وإن اختلفت الشرائع.
فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعلونهم بالحجة، وفي أكثر الأحوال بها وبالسيف، والذين كفروا هم الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى، قاله الزمخشري، بتقديم وتأخير في كلامه.
فالفوقية هنا بالحجة والبرهان، قاله الحسن. أو : بالعز والمنعة، قاله ابن زيد. فهم فوق اليهود، فلا تكون لهم مملكة كما للنصارى. فالآية، على قوله، مخبرة عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة، فخصص ابن زيد المتبعين والكافرين، وجعله حكما دنيويا لا فضلية فيه للمتبعين الكفار، بل كونهم فوق اليهود عقوبة لليهود.
وقال الجمهور : بعموم المتبعين، فتدخل في ذلك أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، نص عليه قتادة، وبعموم الكافرين.
(١) سورة التوبة : ٩/ ٢٨.