البحر المحيط، ج ٣، ص : ١٨١
وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ تقدّم تفسير هذه الجملة في هذه السورة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ بدأ أولا بقسم الكفار، لأن ما قبله من ذكر حكمه تعالى بينهم هو على سبيل التهديد والوعيد للكفار، والإخبار بجزائهم، فناسبت البداءة بهم، ولأنهم أقرب في الذكر بقوله : فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا وبكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى وراموا قتله، ثم أتى ثانيا بذكر المؤمنين، وعلق هناك العذاب على مجرّد الكفر، وهنا علق توفية الأجر على الإيمان وعمل الصالحات تنبيها على درجة الكمال في الإيمان، ودعاء إليها.
والتوفية : دفع الشيء وافيا من غير نقص، والأجور : ثواب الأعمال، شبهه بالعامل الذي يوفى أجره عند تمام عمله. وتوفية الأجور هي : قسم المنازل في الجنة بحسب الأعمال على ما رتبها تعالى، وفي الآية قبلها قال : فَأُعَذِّبُهُمْ أسند الفعل إلى ضمير المتكلم وحده، وذلك ليطابق قوله : فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وفي هذه الآية قال : فيوفيهم، بالياء على قراءة حفص، ورويس، وذلك على سبيل الالتفات والخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة للتنوع في الفصاحة. وقرأ الجمهور : فنوفيهم، بالنون الدالة على المتكلم المعظم شأنه، ولم يأت بالهمزة كما في تلك الآية ليخالف في الإخبار بين النسبة الإسنادية فيما يفعله بالكافر وبالمؤمن، كما خالف في الفعل، ولأن المؤمن العامل للصالحات عظيم عند اللّه، فناسبه الإخبار عن المجازى بنون العظمة.
ويجوز أن يكون : الذين آمنوا، مبتدأ، ويجوز انتصابه على إضمار فعل يفسر ما بعده، ويكون ذلك من باب الإشتغال، كقوله : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ «١» فيمن نصب الدال.
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ تقدّم تفسير ما يشبه هذا، وهو قوله : فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ «٢» واحتج المعتزلة بهذا على أنه تعالى لا يريد الكفر والمعاصي، لأن مريد الشيء محب له إذا كان ذلك الشيء من الأفعال، وإنما تخالف المحبة الإرادة إذا علقتا بالأشخاص، فيقال : أحب زيدا، ولا يقال : أريده، وأمّا الأفعال فهما فيها واحد، فقوله : لا يحب : لا يريد ظلم الظالمين، هكذا قرره عبد الجبار، وعند أصحابنا المحبة
(١) سورة فصلت : ٤١/ ١٧.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ٣٢.