البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢١٣
حتى، أي : حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم ويدحضوا حجتكم عند اللّه، لأنكم تعلمون صحة دين الإسلام، وأنه يلزمكم اتباع هذا النبي، ولا يكون : أو يحاجوكم، معطوفا على :
يؤتى، وداخلا في خبر إن، و : أحد، في هذين القولين ليس الذي يأتي في العموم مختصا به، لأن ذلك شرطه أن يكون في نفي، أو في خبر نفي، بل : أحد، هنا بمعنى : واحد، وهو مفرد، إذ عنى به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنما جمع الضمير في : يحاجوكم، لأنه عائد على الرسول وأتباعه، لأن الرسالة تدل على الأتباع. وقال بعض النحويين : إن، هنا للنفي بمعنى : لا، التقدير : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ونقل ذلك أيضا عن الفراء، وتكون : أو، بمعنى إلّا، والمعنى إذ ذاك : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا أن يحاجوكم، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم ومحاجتكم عند ربكم، لأن من آتاه اللّه الوحي لا بد أن يحاجهم عند ربهم في كونهم لا يتبعونه، فقوله : أو يحاجوكم، حال من جهة المعنى لازمة، إذ لا يوحي اللّه إلى رسول إلّا وهو محاج مخالفيه. وفي هذا القول يكون، أحد، هو الذي للعموم. لتقدّم النفي عليه، وجمع الضمير في : يحاجوكم، حملا على معنى : أحد، كقوله تعالى فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ «١» جمع حاجزين حملا على معنى : أحد، لا على لفظه، إذ لو حمل على لفظه لأفرد.
لكن في هذا القول القول بأن : أن، المفتوحة تأتي للنفي بمعنى لا، ولم يقم على ذلك دليل من كلام العرب. والخطاب في : أوتيتم، وفي : يحاجوكم، على هذه الأقوال الثلاثة للطائفة السابقة، القائلة : آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ وأجاز بعض النحويين أن يكون المعنى : أن لا يؤتى أحد، وحذفت : لا، لأن في الكلام دليلا على الحذف. قال كقوله :
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا «٢» أي : أن لا تضلوا. وردّ ذلك أبو العباس، وقال : لا تحذف :
لا، وإنما المعنى : كراهة أن تضلوا، وكذلك هنا : كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي :
ممن خالف دين الإسلام، لأن اللّه لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى اللّه بعيد من غير المؤمنين.
والخطاب في : أوتيتم، و : يحاجوكم، لأمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فعلى هذا : أن يؤتى مفعول من أجله على حذف كراهة، ويحتاج إلى تقدير عامل فيه، ويصعب تقديره، إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها بكراهة الإيتاء المذكور.
(١) سورة الحاقة : ٦٩/ ٤٧.
(٢) سورة النساء : ٤/ ١٧٦.