البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٢٣
معنى ذلك أنه في صدد شغل آخر يريد أن يستقبله. وذهب إلى هذا التأويل جماعة من الفقهاء، وانتزعوا من الآية جواز السجن، لأن الذي يقوم عليه غريمه هو يمنعه من تصرفاته في غير القضاء، ولا فرق بين المنع من التصرفات وبين السجن. وقيل : قائما بوجهك فيهابك ويستحي منك. وقيل : معنى : دمت عليه قائما، أي : مستعليا، فإن استلان جانبك لم يؤدّ إليك أمانتك.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، ويحيى بن وثاب، والأعمش، وابن أبي ليلى، والفياض بن غزوان، وطلحة، وغيرهم : دمت بكسر الدال، وتقدم أنها لغة تميم وتقدم الخلاف في مضارعه.
و : ما، في : ما دمت، مصدرية ظرفية. و : دمت، ناقصة فخبرها : قائما، وأجاز أبو البقاء أن تكون : ما، مصدرية فقط لا ظرفية، فتقدر بمصدر، وذلك المصدر ينتصب على الحال، فيكون ذلك استثناء من الأحوال لا من الأزمان. قال : والتقدير : إلّا في حال ملازمتك له. فعلى هذا يكون : قائما، منصوبا على الحال، لا خبرا لدام، لأن شرط نقص : دام، أن يكون صلة لما المصدرية الظرفية.
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ
روي أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون استحلال أموال. العرب لكونهم أهل أوثان، فلما جاء الإسلام، وأسلم من أسلم من العرب، بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد، فنزلت الآية مانعة من ذلك.
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«كل شيء من أمر الجاهلية فهو تحت قدمي، إلّا الأمانة فإنها مؤادّة إلى البر والفاجر».
والإشارة بذلك إلى ترك الأداء الذي دل عليه لا يؤدّه، أي : كونهم لا يؤدّون الأمانة كان بسبب قولهم.
والضمير في : بأنهم، قيل : عائد على اليهود وقيل : عائد على لفيف بني إسرائيل.
والأظهر أنه عائد على : من، في قوله : مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وجمع حملا على المعنى، أي ترك الأداء في الدّينار فما دونه وفما فوقه كائن بسبب قول المانع للأداء الخائن : لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ وهم الذين ليسوا من أهل الكتاب، وهم العرب. وتقدّم كونهم سموا أمّيين في سورة البقرة.
والسبيل، قيل : العتاب والذم. وقيل : الحجة على، نحو قول حميد بن ثور :