البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٣١
مع ذلك، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة، لم يقع هنا، ولذلك أنس بها في قوله :
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ «١» فهذا النوع من النظر يسلك بك سبيل العجائب في حين فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة، ومعنى قوله :
كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ اعبدوني واجعلوني إلها. انتهى كلام ابن عطية. وفيه بعض مناقشة.
أما قوله : ومن جموعه : عبيد وعبدى، أما عبيد فالأصح أنه جمع. وقيل : اسم جمع، و : أما عبدى فاسم جمع، وألفه للتأنيث. وأما ما استقرأه أن عبادا يساق في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير والتصغير، وإيراده ألفاظا في القرآن بلفظ العباد، وقوله : وأما العبيد فيستعمل في تحقير، وأنشد بيت إمرئ القيس، وقول حمزة وقوله تعالى بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «٢» فليس باستقراء صحيح، وإنما كثر استعمال :
عباد، دون : عبيد، لأن فعالا في جمع فعل غير اليائي العين قياس مطرد، وجمع فعل على فعيل لا يطرد.
قال سيبويه : وربما جاء فعيلا وهو قليل، نحو : الكليب والعبيد. انتهى.
فلما كان فعال هو المقيس في جمع : عبد، جاء : عباد، كثيرا. وأما وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «٣» فحسن مجيئه هنا وإن لم يكن مقيسا أنه جاء لتواخي الفواصل، ألا ترى أن قبله أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ «٤» وبعده قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ «٥» فحسن مجيئه بلفظ العبيد مواخاة هاتين الفاصلتين، ونظير هذا قوله في سورة ق : وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ «٦» لأن قبله قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ «٧» وبعده يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ «٨» وأما مدلوله فمدلول : عباد، سواء.
وأما بيت امرئ القيس فلم يفهم التحقير من لفظ : عبيد، إنما فهم من إضافتهم إلى العصا، ومن مجموع البيت. وكذلك قول حمزة إنما فهم منه معنى التحقير من قرينة الحال التي كان عليها، وأتى في البيت، وفي وقل حمزة على أحد الجائزين.
(١) سورة الزمر : ٣٩/ ١٠. [.....]
(٣ - ٢) سورة فصلت : ٤١/ ٤٦.
(٤) سورة فصلت : ٤١/ ٤٤.
(٥) سورة فصلت : ٤١/ ٤٧.
(٦) سورة ق : ٥٠/ ٢٩.
(٧) سورة ق : ٥٠/ ٢٨.
(٨) سورة ق : ٥٠/ ٣٠.