البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٥٣
عن من مات كافرا، فلذلك تحتمت اللعنة عليهم، وهنا ليس كذلك، ألا ترى إلى سبب النزول؟ وأن أكثر الأقوال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم راجعوا الإسلام؟ ولذلك جاء الاستثناء وهو قوله : إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وهو استثناء متصل، ولذلك قال مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي : من بعد ذلك الكفر العظيم.
وَأَصْلَحُوا أي : ما أفسدوا، أو : دخلوا في الصلاح، كما تقول : أمسى زيد أي :
دخل في المساء وقيل : معنى أصلحوا أظهروا أنهم كانوا على ضلال، وتقدم تفسير هذه اللفظة في البقرة في قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا «١».
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ غفور أي لكفرهم، رحيم لقبول توبتهم، وهما صيغتا مبالغة دالتان على سعة رحمته.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ نزلت في اليهود، كفروا بعيسى وبالإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم بعد إيمانهم بنعته، قاله قتادة، والحسن. وقيل : في اليهود كفروا بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم بعد إيمانهم بصفاته، وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام، قاله أبو العالية.
أو : معنى : ثم ازدادوا كفرا، تموا على كفرهم وبلغوا الموت به، فيدخل فيه اليهود والمرتدون، قاله مجاهد، وقال نحوه السدي. وقيل : نزلت فيمن مات على الكفر من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا : نقيم ببكة ونتربص بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ريب المنون، قاله الكلبي.
ويفسر بهذه الأقوال معنى ازدياد الكفر، وهو بحسب متعلقاته، إذ الإيمان والكفر في التحقيق لا يزدادان ولا ينقصان، وإنما تحصل الزيادة والنقصان للمتعلقات، فينسب ذلك إليهما على سبيل المجاز. وازدادوا افتعلوا من الزيادة، وانتصاب : كفرا، على التمييز المنقول من الفاعل، المعنى : ثم ازداد كفرهم، والدال الأولى بدل من تاء الافتعال.
ويحتمل قوله لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وجهين :
أحدهما : أنه تكون منهم توبة ولا تقبل، وقد علم أن توبة كل كافر تقبل سواء كفر
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٦٠. [.....]