البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٥٦
الحذاق قوله : لك الحمد ملء السموات والأرض بالرفع على الصفة للحمد، واستضعفوا نصبه على الحال لكونه معرفة.
وَلَوِ افْتَدى بِهِ قرأ ابن أبي عبلة : لو افتدى به، دون واو، و : لو، هنا هي بمعنى :
إن، الشرطية لا : لو، التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره، لأن : لو، هنا معلقة بالمستقبل، وهو : فلن يقبل، وتلك معلقة بالماضي. فأما قراءة ابن أبي عبلة فإنه جعل الافتداء شرطا في عدم القبول فلم يتعمم نفي وجود القبول، وأما قراءة الجمهور بالواو، فقيل : الواو زائدة، وهو ضعيف، ويكون المعنى إذ ذاك معنى قراءة ابن أبي عبلة. وقيل : ليست بزائدة.
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف موقع قوله لَوِ افْتَدى بِهِ؟ قلت : هو كلام محمول على المعنى، كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا.
انتهى. وهذا المعنى ينبو عنه هذا التركيب ولا يحتمله، والذي يقتضيه هذا التركيب، وينبغي أن يحمل عليه، أن اللّه تعالى أخبر أن من مات كافرا لا يقبل منه ما يملأ الأرض من ذهب على كل حال يقصدها، ولو في حالة الافتداء به من العذاب، لأن حالة الافتداء هي حال لا يمتن فيها المفتدي على المفتدى منه، إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدي، وقد قررنا في نحو هذا التركيب أن : لو، تأتي منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء، وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها،
كقوله :«أعطوا السائل ولو جاء على فرس وردوا السائل ولو بظلف محرق»
كأن هذه الأشياء مما كان لا ينبغي أن يؤتى بها، لأن كون السائل على فرس يشعر بغناه فلا يناسب أن يعطى، وكذلك الظلف المحرق لا غنى فيه، فكأن يناسب أن لا يرد السائل به، وكذلك حالة الفداء :
يناسب أن يقبل منه ملء الأرض ذهبا، لكنه لا يقبل. ونظيره قوله تعالى : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ «١» لأنهم نفوا أن يصدقهم على كل حال، حتى في حالة صدقهم، وهي الحالة التي ينبغي أن يصدقوا فيها. فلفظ : ولو، هنا لتعميم النفي والتأكيد له. وقد ذكرنا فائدة مجيئها.
وذهب الزجاج إلى أن المعنى : لن يقبل من أحدهم إنفاقه وتقرباته في الدنيا، ولو أنفق ملء الأرض ذهبا، ولو افتدى أيضا به في الآخرة لم يقبل منه. قال : فأعلم اللّه أنه
(١) سورة يوسف : ١٢/ ١٧.