البحر المحيط، ج ٣، ص : ٢٦٩
مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ أمّا بركته فلما يحصل فيه من الثواب وتكفير السيئات لمن حجه واعتمره وطاف به وعكف عنده. وقال القفال : يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله :
«يجبى إليه ثمرات كل شي ء» «١». وقيل : بركته دوام العبادة فيه ولزومها، لأنّ البركة لها معنيان : أحدهما : النمو، والآخر : الثبوت، ومنه البركة لثبوت الماء فيها. والبرك الصدر لثبوت الحفظ فيه، والبراكاء الثبوت في القتال، وتبارك اللّه ثبت ولم يزل. وقيل : بركته تضعيف الثواب فيه.
روى ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع أخرى إلا كتب اللّه بها له حسنة ورفع له بها درجة».
وقال الفراء : سمي مباركا لأنه مغفرة للذنوب. وقال ابن جرير : بركته تطهيره من الذنوب. وقيل : بركته أنّ من دخله أمن حتى الوحش، فيجتمع فيه الظبي والكلب. وأما كونه هدى فلأنه لما كان مقوما مصلحا كان فيه إرشاد. وبولغ بكونه هدى، أو هو على حذف مضاف أي : وذا هدى.
قيل : ومعنى هدى أي قبلة. وقيل : رحمة. وقيل : صلاح. وقيل : بيان ودلالة على اللّه بما فيه من الآيات التي لا يقدر عليها غيره تعالى. وقال ابن عطية : يحتمل هنا هدى أن يكون بمعنى الدعاء، أي من حيث دعى العالمون إليه، وانتصاب مباركا على الحال. وجوزوا أن يكون حالا من الضمير الذي استكن في وضع، والعامل فيها وضع أي أنّ أول بيت مباركا، أي في هذه الحال للذي ببكة. وهذا التقدير ليس بجائز، لأنك فصلت بين العامل في الحال وبين الحال بأجنبي وهو : الخبر، لأنه معمول لأنّ خبر لها، فإن أضمرت وضع بعد الخبر أمكن أن يعمل في الحال، وكان تقديره : للذي ببكة وضع مباركا. وعلى هذا التقدير ينبغي أن يحمل تفسير علي بن أبي طالب السابق ذكره عند ذكر كون هذا البت أولا، إذ كان قد لاحظ في هذا البيت كونه وضع أولا بقيد هذه الحال.
وجوزوا أيضا أن يكون العامل في الحال العامل في ببكة، أي استقر ببكة في حال بركته. وهو وجه ظاهر الجواز، ولم يذكر الزمخشري غيره. وأما هدى فظاهره أنه معطوف على مباركا، والمعطوف على الحال حال. وجوّز بعضهم أن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي وهو هدى، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار.
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ أي علامات واضحات منها : مقام إبراهيم، والحجر الذي قام
(١) سورة القصص : ٢٨/ ٥٧.