البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٥٣
وآنسهم بقوله : وأنتم الأعلون، أي الغالبون وأصحاب العاقبة. وهو إخبار بعلو كلمة الإسلام قاله : الجمهور، وهو الظاهر.
وقيل : أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ، أي قد أصبتم ببدر ضعف ما أصابوا منكم بأحد أسرا وقتلا فيكون وأنتم الأعلون نصبا على الحال، أي لا تحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم انتهى. وأما كونه من علوهم الجبل كما أشير إليه في سبب النزول فروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير. قال ابن عطية : ومن كرم الخلق أن لا يهن الإنسان في حربه وخصامه، ولا يلين إذا كان محقا، وأن يتقصى جميع قدرته، ولا يضرع ولو مات. وإنما يحسن اللين في السلم والرضا، ومنه
قوله عليه السلام :«المؤمن هين لين والمؤمنون هينون لينون»
وقال منذر بن سعيد : يجب بهذه الآية ألا يوادع العدو ما كانت للمسلمين قوة وشوكة، فإن كانوا في قطر ما على غير ذلك فينظر الإمام لهم في الأصلح انتهى.
وفي قوله : وأنتم الأعلون دلالة على فضيلة هذه الأمة، إذ خاطبهم مثل ما خاطب موسى كليمه صلّى اللّه وسلّم على نبينا وعليه، إذ
قال له : لا تخف إنك أنت الأعلى.
وتعلق قوله :
إن كنتم مؤمنين بالنهي، فيكون ذلك هزا للنفوس يوجب قوة القلب والثقة بصنع اللّه، وقلة المبالاة بالأعداء. أو بالجملة الخبرية : أي إن صدقتم بما وعدكم وبشركم به من الغلبة. ويكون شرطا على بابه يحصل به الطعن على من ظهر نفاقه في ذلك اليوم، أي : لا تكون الغلبة والعلو إلا للمؤمنين، فاستمسكوا بالإيمان.
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ المعنى : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر، ثم لم يضعفوا إن قاتلوكم بعد ذلك، فلا تضعفوا أنتم. أو فقد مس القوم في غزوة أحد قبل مخالفة أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحوه، فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من اللّه ما لا يرجون. وهذه تسلية منه تعالى للمؤمنين والتأسي فيه أعظم مسلاة.
وقالت الخنساء :
ولو لا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي
والمثلية تصدق بأدنى مشابهة. وقال ابن عباس والحسن : أصاب المؤمنين يوم أحد ما أصاب المشركين يوم بدر، استشهد من المؤمنين يوم أحد سبعون. وقال الزمخشري :
قتل يومئذ أي يوم أحد خلق من الكفار، ألا ترى إلى قوله تعالى : إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ