البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٩٢
المنافقون، وقالوا : غشي النعاس أهل الإيمان والإخلاص، فكان سببا لأمنهم وثباتهم.
وعرى منه أهل النفاق والشك، فكان سببا لجزعهم وانكشافهم عن مراتبهم في مصافهم انتهى.
ويقال : أهمني الشيء، أي : كان من همي وقصدي. أي : مما أهم به وأقصد.
وأهمني الأمر أقلقني وأدخلني في الهم، أي الغم. فعلى هذا اختلف المفسرون في قد أهمتهم أنفسهم. فقال قتادة والرّبيع وابن إسحاق وأكثرهم : هو بمعنى الغم، والمعنى : أن نفوسهم المريضة وظنونهم السيئة قد جلبت إليهم خوف القتل، وهذا معنى قول الزمخشري : أو قد أوقعتهم أنفسهم وما حل بهم في الغموم والأشجان، فهم في التشاكي.
وقال بعض المفسرين : هو من همّ بالشيء أراد فعله. والمعنى : أهمتهم أنفسهم المكاشفة ونبذ الدين. وهذا القول من قال : قد قتل محمد فلترجع إلى ديننا الأول، ونحو هذا من الأقوال. وقال الزمخشري في قوله : قد أهمتهم أنفسهم، ما بهم إلا همّ أنفسهم، لا هم الدّين، ولا هم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمين انتهى. فيكون من قولهم : أهمني الشيء أي :
كان من همي وإرادتي. والمعنى : أهمهم خلاص أنفسهم خاصة، أي : كان من همهم وإرادتهم خلاص أنفسهم فقط، ومن غير الحق يظنون أن الإسلام ليس بحق، وأن أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذهب ويزول.
ومعنى ظن الجاهلية عند الجمهور : المدة الجاهلية القديمة قبل الإسلام، كما قال :
حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ «١» وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ «٢» وكما تقول : شعر الجاهلية. وقال ابن عباس : سمعت أبي في الجاهلية يقول : اسقنا كأسا دهاقا. وقال بعض المفسرين : المعنى ظن الفرقة الجاهلية، والإشارة إلى أبي سفيان ومن معه، ونحا إلى هذا القول : قتادة والطبري. قال مقاتل : ظنوا أن أمره مضمحل. وقال الزجاج : إن مدّته قد انقضت. وقال الضحاك عن ابن عباس : ظنوا أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم قد قتل. وقيل : ظن الجاهلية إبطال النبوّات والشرائع. وقيل : يأسهم من نصر اللّه وشكهم في سابق وعده بالنصرة. وقيل : يظنون أن الحق ما عليه الكفار، فلذلك نصروا. وقيل : كذبوا بالقدر. قال الزمخشري : وظن الجاهلية كقولك : حاتم الجود ورجل صدق، تريد الظن المختص بالملة الجاهلية. ويجوز أن يراد ظن أهل الجاهلية، أي لا يظن مثل ذلك الظن إلا أهل الشرك الجاهلون باللّه.
انتهى وظاهر قوله : هل لنا من الأمر من شيء الاستفهام؟

_
(١) سورة الفتح : ٤٨/ ٢٦. [.....]
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٣٣.


الصفحة التالية
Icon