البحر المحيط، ج ٣، ص : ٣٩٣
فقيل : سألوا الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، هل لهم معاشر المسلمين من النصر والظهور على العدوّ شيء أي نصيب؟ وأجيبوا بقوله : قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ «١» وهو النصر والغلبة.
«كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي»
«وأن جندنا لهم الغالبون».
وقيل : المعنى ليس النصر لنا، بل هو للمشركين. وقال قتادة وابن جريج : قيل لعبد اللّه بن أبيّ بن سلول : قتل بنو الخزرج، فقال : وهل لنا من الأمر من شي ء؟ يريد : أن الرأي ليس لنا، ولو كان لنا منه شيء لسمع من رأينا ولم نخرج ولم يقتل أحد منا.
وهذا منهم قول بأجلين. وذكر المهدوي وابن فورك : أن المعنى لسنا على حق في اتباع محمد.
ويضعف هذا التأويل الرد عليهم بقوله : قل. فأفهم أن كلامهم إنما هو في معنى سوء الرأي في الخروج، وأنه لو لم يخرج لم يقتل أحد.
وعلى هذا المعنى وما قبله من قول قتادة وابن جريج يكون الاستفهام معناه النفي.
ولما أكد في كلامهم بزيادة من في قوله : من شيء، جاء الكلام مؤكدا بأنّ، وبولغ في توكيد العموم بقوله : كله للّه. فكان الجواب أبلغ.
والخطاب بقوله : قل، متوجه إلى الرسول بلا خلاف. والذي يظهر أنه استفهام باق على حقيقته، لأنهم أجيبوا بقوله : قل إن الأمر كله للّه. ولو كان معناه النفي لم يجابوا بذلك، لأنّ من نفى عن نفسه أن يكون له شيء من الأمر لا يجاوب بذلك، إلا إن قدر مع جملة النفي جملة ثبوتية لغيرهم، فكان المعنى : ليس لنا من الأمر من شيء بل لغيرنا ممن حملنا على الخروج وأكرهنا عليه، فيمكن أن يكون ذلك جوابا لهذا المقدّر. وهذه الجملة الجوابية معترضة بين الجمل التي أخبر اللّه بها عنهم.
والواو في قوله : وطائفة، واو الحال. وطائفة مبتدأ، والجملة المتصلة به خبره. وجاز الابتداء بالنكرة هنا إذ فيه مسوغان : أحدهما : واو الحال وقد ذكرها بعضهم في المسوغات، ولم يذكر ذلك أكثر أصحابنا وقال الشاعر :
سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا محياك أخفى ضوؤه كل شارق
والمسوغ الثاني : أن الموضع موضع تفصيل. إذ المعنى : يغشى طائفة منكم، وطائفة لم يناموا، فصار نظير قوله :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وشق عندنا لم يحوّل
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٥٤.