البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٢٣
تعالى أنّ الذي أصابهم يوم أحد كان لا محالة بإذن اللّه، فهذا إخبار صحيح، ومعنى صحيح، فلا نتكلف تقديما ولا تأخيرا، ونجعله من باب الشرط والجزاء.
وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا هو على حذف مضاف أي : وليعلم إيمان المؤمنين، ويعلم نفاق الذين نافقوا. أو المعنى : وليميز أعيان المؤمنين من أعيان المنافقين. وقيل : ليكون العلم مع وجود المؤمنين والمنافقين مساوقا للعلم الذي لم يزل ولا يزال. وقيل : ليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء. وقد تقدم تأويل مثل هذا في قوله :
لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ «١» وقالوا : تتعلق الآية بمحذوف أي : ولكذا فعل ذلك. والذي يظهر أنه معطوف على قوله : بإذن اللّه، عطف السبب على السبب. ولا فرق بين الباء واللام، فهو متعلق بما تعلقت به الباء من قوله : فهو كائن. والذين نافقوا هنا عبد اللّه بن أبي وأصحابه.
وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا القائل : رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقيل :
عبد اللّه بن عمرو بن حرام الأنصاري أبو جابر بن عبد اللّه لما انخذل عبد اللّه بن أبي في نحو ثلاثمائة تبعهم عبد اللّه فقال لهم : اتقوا اللّه ولا تتركوا نبيكم، وقاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا، ونحو هذا من القول. فقال عبد اللّه بن أبي : ما أرى أن يكون قتال، ولو علمناه لكنا معكم. فلما يئس منهم عبد اللّه قال : اذهبوا أعداء اللّه، فسيغني اللّه عنكم، ومضى حتى استشهد. قال السدي : وابن جريج، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والفرّاء :
معناه : كثروا السواد وإن لم تقاتلوا فتدفعون القوم بالتكثير. وقال أبو عون الأنصاري معناه :
رابطوا، وهو قريب من الأول، لأن المرابط في الثغور دافع للعبد، إذ لولاه لطرقها. قال أنس : رأيت عبد اللّه بن أم مكتوم يوم القادسية وعليه درع بجر أطرافها، وبيده راية سوداء، فقيل له : أليس قد أنزل اللّه عذرا؟ قال : بلى ولكني أكثر المسلمين بنفسي. وقيل : القتال بالأنفس، والدفع بالأموال. وقيل : المعنى أو ادفعوا حمية، لأنه لمّا دعاهم أولا إلى أن يقاتلوا في سبيل اللّه وجد عزائمهم منحلة عن ذلك، إذ لا باعث لهم في ذلك لنفاقهم، فاستدعى منهم أن يدفعوا عن الحوزة، فنبه على ما يقاتل لأجله : إمّا لإعلاء الدين، أو لحمى الذمار. ألا ترى إلى قول قزمان : واللّه ما قاتلت إلا على أحساب قومي. وقول الأنصاري وقد رأى قريشا تريع زرع قناة : أترعى زروع بني قيلة ولما تضارب، مع أنه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر أن لا يقاتل أحد حتى يأمره.
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٤٣.