البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٢٤
وأو على بابها من أنها لأحد الشيئين. وقيل : يحتمل أن تكون بمعنى الواو، فطلب منهم الشيئين : القتال في سبيل اللّه، والدفع عن الحريم والأهل والمال. فكفار قريش لا تفرق بين المؤمن والمنافق في القتل والسبي والنهب، والظاهر أن قوله : وقيل لهم، كلام مستأنف. قسم الأمر عليهم فيه بين أن يقاتلوا للآخرة، أو يدفعوا عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم. حكى اللّه عنهم ما يدل على نفاقهم في هذا السؤال والجواب، ويحتمل أن يكون قوله : وقيل لهم معطوف على نافقوا، فيكون من الصلة.
قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ إنما لم ترد بالفاء لأنه جواب لسؤال اقتضاه دعاؤهم إلى القتال كأنه قيل : فماذا قالوا؟ فقيل : قالوا لو نعلم، ونعلم هنا في معنى علمنا، لأنّ لو من القرائن التي تخلص المضارع لمعنى الماضي إذا كانت حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره، فإذا كانت بمعنى إن الشرطية تخلص المضارع لمعنى الاستقبال. ومضمون هذا الجواب أنهم علقوا الاتباع على تقدير وجود علم القتال، وعلمهم للقتال منتف، فانتفى الاتباع واخبارهم بانتفاء علم القتال منهم إمّا على سبيل المكابرة والمكايدة، إذ معلوم أنه إذا خرج عسكران وتلاقيا وقد قصد أحدهما الآخر من شقة بعيدة في عدد كثير وعدد، وخرج إليهم العسكر الآخر من بلدهم للقائهم قبل أن يصلوا بلدهم واثقين بنصر اللّه مقاتلين في سبيل اللّه، وإن كانوا أقل من أولئك، أنه سينشب بينهم قتال لا محالة، فأنكروا علم ذلك رأسا لما كانوا عليه من النفاق والدغل والفرح بالاستيلاء على المؤمنين. وإمّا على سبيل التخطئة لهم في ظنهم أن ذلك قتال في سبيل اللّه. وليس كذلك، إنما هو رمي النفوس في التهلكة، إذ لا مقاومة لهم بحرب الكفار لكثرتهم وقلة المؤمنين، لأن رأي عبد اللّه بن أبي كان في الإقامة بالمدينة وجعلها ظهرا للمؤمنين، وما كان يستصوب الخروج كما مرّ ذكره في قصة أحد.
هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ وجه الأقربية التي هي الزيادة في القرب إنهم كانوا يظهرون الإيمان، ولم تكن تظهر لهم إمارة تدل على الكفر، فلما انخذلوا عن المؤمنين وقالوا ما قالوا زادوا قربا للكفر، وتباعدوا عن الإيمان. وقيل : هو على حذف مضاف أي : هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين.
وأقرب هنا افعل تفضيل، وهي من القرب المقابل للبعد. ويعدّى بإلى وباللام


الصفحة التالية
Icon