البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٣٩
لم يمسسهم سوء في موضع الحال، أي سالمين. وبنعمة حال أيضا، لأن الباء فيه باء المصاحبة، أي : انقلبوا متنعمين سالمين. والجملة الحالية المنفية بلم المشتملة على ضمير ذي الحال، يجوز دخول الواو عليها، وعدم دخولها. فمن الأوّل قوله تعالى : أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ «١» ولم يوح إليه شيء، وقول الشاعر :
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل
ومن الثاني قوله تعالى : وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً «٢» وقول قيس بن الأسلت :
واضرب القوس يوم الوغى بالسيف لم يقصر به باعي
ووهم الأستاذ أبو الحسن بن خروف في ذلك فزعم : أنها إذا كانت الجملة ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضميرا، ولم يكن فيها. والمستعمل في لسان العرب ما ذكرناه.
واتباعهم رضوان اللّه هو بخروجهم إلى العدو، وجراءتهم، وطواعيتهم للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وختمها بقوله : واللّه ذو فضل عظيم، مناسب لقوله : بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ «٣» تفضل عليهم بالتيسير والتوفيق في ما فعلوه، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عن الخروج حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء من الثواب في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا. وروي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا؟ فأعطاهم اللّه تعالى ثواب الغزو، ورضي عنهم.
وهذه عاقبة تفويض أمرهم إليه تعالى، جازاهم بنعمته، وفضله، وسلامتهم واتباعهم رضاه.
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ما : هي الكافة لأنّ عن العمل. وهي التي يزعم معظم أهل أصول الفقه أنّها إذا لم تكن موصولة أفادت مع أنّ الحصر. وذلكم : إشارة إلى الركب المثبط. وقيل : المراد بالشيطان نعيم بن مسعود، أو أبو سفيان. فعلى هذه الأقوال تكون الإشارة إلى أعيان. وقيل : ذلكم إشارة إلى جميع ما جرى من أخبار الركب العبديين عن رسالة أبي سفيان، وتحميل أبي سفيان ذلك الكلام، وجزع من جزع منه من مؤمن أو متردّد. فعلى هذا تكون الإشارة إلى معان، ولا بد
(١) سورة الأنعام : ٦/ ٩٣.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٢٥.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٧٤. [.....]