البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٤٠
إذ ذاك من تقدير مضاف محذوف تقديره : إنما ذلكم فعل الشيطان. وقدّره الزمخشري قول الشيطان، أي قول إبليس. فتكون الإشارة على هذا التقدير إلى القول السابق وهو : أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. وعلى هذه الأقوال كلها فالخبر عن المبتدأ الذي هو ذلكم بالشيطان هو مجاز، لأن الأعيان ليست من نفس الشيطان، ولا ما جرى من قول فقط، أو من قول، وما انضم إليه مما صدر من العدوّ من تخويف، وما صدر من جزع، ليس نفس قول الشيطان ولا فعله، وإنما نسب إليه وأضيف، لأنه ناشيء عن وسوسته وإغوائه وإلقائه.
والتشديد في يخوّف للنقل، كان قبله يتعدّى لواحد، فلما ضعف صار يتعدّى لاثنين.
وهو من الأفعال التي يجوز حذف مفعوليها، وأحدهما اقتصار أو اختصار، أو هنا تعدّى إلى واحد، والآخر محذوف. فيجوز أن يكون الأوّل ويكون التقدير : يخوفكم أولياء، أي شر أوليائه في هذا الوجه. لأن الذوات لا تخاف، ويكون المخوفون إذ ذاك المؤمنين، ويجوز أن يكون المحذوف المفعول الثاني، أي : يخوّف أولياءه شرّ الكفار، ويكون أولياءه في هذا الوجه هم المنافقون، ومن في قلبه مرض المتخلفون عن الخروج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أي :
أنه لا يتعدّى تخويفه المنافقين، ولا يصل إليكم تخويفه. وعلى الوجه الأوّل يكون أولياءه هم الكفار : أبو سفيان ومن معه. ويدل على هذا الوجه قراءة ابن مسعود وابن عباس يخوفكم أولياءه، إذ ظهر فيها أن المحذوف هو المفعول الأوّل. وقرأ أبيّ والنخعي :
يخوفكم بأوليائه، فيجوز أن تكون الباء زائدة مثلها في يقرأن بالسور، ويكون المفعول الثاني هو بأوليائه، أي : أولياءه، كقراءة الجمهور. ويجوز أن تكون الباء للسبب، ويكون مفعول يخوّف الثاني محذوفا أي : يخوّفكم الشرّ بأوليائه، فيكونون آلة للتخويف. وقد حمل بعض المعربين قراءة الجمهور يخوف أولياءه على أن التقدير : بأوليائه، فيكون إذ ذاك قد حذف مفعولا يخوف لدلالة، المعنى على الحذف، والتقدير : يخوفكم الشرّ بأوليائه، وهذا بعيد. والأحسن في الإعراب أن يكون ذلكم مبتدأ، والشيطان خبره، ويخوف جملة حالية، يدل على أن هذه الجملة حال مجيء المفرد منصوبا على الحال مكانها نحو قوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً «١» وَهذا بَعْلِي شَيْخاً «٢» وأجاز أبو البقاء أن يكون الشيطان بدلا أو عطف بيان، ويكون يخوف خبرا عن ذلكم. وقال الزمخشري : الشيطان خبر ذلكم، بمعنى : إنما ذلكم المثبط هو الشيطان، ويخوّف أولياءه جملة مستأنفة بيان لتثبيطه، أو الشيطان صفة لاسم الإشارة، ويخوف الخبر. والمراد بالشيطان نعيم أو أبو
(١) سورة النمل : ٢٧/ ٥٢.
(٢) سورة هود : ١١/ ٧٢.