البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٤
بالتاء، خطابا، فتكون الجملة معمولا للقول. ومن قرأ بالياء فالظاهر أن الضمير : للذين كفروا، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية بقل، بل محكية بقول آخر، التقدير : قل لهم قولي سيغلبون، وإخباري أنه يقع عليهم الغلبة والهزيمة. كما قال تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ «١» فبالتاء أخبرهم بمعنى ما أخبر به من أنهم سيغلبون، وبالياء أخبرهم باللفظ الذي أخبر به أنهم سيغلبون، وأجاز بعضهم، وهو :
الفراء، وأحمد بن يحيى، وأورده ابن عطية، احتمالا أن يعود الضمير في : سيغلبون، في قراءة التاء على قريش، أي : قل لليهود ستغلب قريش، وفيه بعد.
والظاهر أن : الذين كفروا، يعم الفريقين المشركين واليهود، وكل قد غلب بالسيف، والجزية، والذلة، وظهور الدلائل والحجج، وإلى معناها الغاية، وإن جهنم منتهى حشرهم، وأبعد من ذهب إلى أن : إلى، في معنى : في، فيكون المعنى : إنهم يجمعون في جهنم وبئس المهاد، يحتمل أن يكون من جملة المقول، ويحتمل أن يكون استئناف كلام منه تعالى، قاله الراغب والمخصوص بالذم محذوف لدلالة ما قبله عليه، التقدير :
وبئس المهاد جهنم. وكثيرا ما يحذف لفهم المعنى، وهذا مما يستدل به لمذهب سيبويه :
أنه مبتدأ والجملة التي قبله في موضع الخبر، إذ لو كان خبر مبتدأ محذوف، أو مبتدأ محذوف الخبر للزم من ذلك حذف الجملة برأسها من غير أن يبقى ما يدل عليها، وذلك لا يجوز، لأن حذف المفرد أسهل من حذف الجملة. وأمّا من جعل : المهاد، ما مهدوا لأنفسهم، أي : بئسما مهدوا لأنفسهم، وكان المعنى عنده، و : بئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم، ففيه بعد، ويروى عن مجاهد.
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا قال في (ري الظمآن) : أجمع المفسرون على أنها وقعة بدر، والخطاب للمؤمنين، قاله أبن مسعود، والحسن. فعلى هذا معنى الآية تثبيت النفوس وتشجيعها، لأنه لما أمر أن يقول للكفار ما قال، أمكن أن يستبعد ذلك المنافقون وبعض ضعفة المؤمنين، كما قال من قال يوم الخندق : يعدنا محمد أموال كسرى وقيصر ونحن نأمن على النساء في المذهب، وكما قال عدي بن حاتم، حين أخبره النبي صلى اللّه عليه وسلم بالأمنة التي تأتي، فقلت في نفسي : فأين ذعار طيء الذين سعروا البلاد؟
الحديث بكماله.
(١) سورة الأنفال : ٨/ ٣٨.