البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٧٣
مذهب أبي علي يكون في موضع المفعول الثاني. وذهب الزمخشري إلى القول الأول قال : تقول : سمعت رجلا يقول كذا، وسمعت زيدا يتكلم، لتوقع الفعل على الرّجل، وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالا عنه، فأغناك عن ذكره. ولو لا الوصف أو الحال لم يكن منه بدّ. وإن يقال : سمعت كلام فلان، أو قوله انتهى كلامه.
وقوله : ولو لا الوصف أو الحال إلى آخره ليس كذلك، بل لا يكون وصف ولا حال، ويدخل سمع على ذات، لا على مسموع. وذلك إذا كان في الكلام ما يشعر بالمسموع وإن لم يكن وصفا ولا حالا، ومنه قوله تعالى : هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ «١» أغني ذكر ظرف الدعاء عن ذكر المسموع.
والمنادى هنا هو الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم. قال تعالى : وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ «٢» ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ «٣» قاله ابن جريج وابن زيد وغيرهما : أو القرآن، قاله : محمد بن كعب القرظي، قال : لأن كلّ المؤمنين لم يلقوا الرّسول، فعلى الأول يكون وصفه بالنداء حقيقة، وعلى الثاني مجازا، وجمع بين قوله : مناديا ينادي، لأنه ذكر الأول مطلقا وقيد الثاني تفخيما لشأن المنادى، لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادي للإيمان. وذلك أنّ المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب، أو لإطفاء الثائرة، أو لإغاثة المكروب، أو لكفاية بعض النوازل، أو لبعض المنافع. فإذا قلت : ينادي للإيمان فقد رفعت من شأن المنادي وفخمته. واللام متعلقة بينادي، ويعدي نادي، ودعا، وندب باللام وبالي، كما يعدي بهما هدى لوقوع معنى الاختصاص، وانتهاء الغاية جميعا. ولهذا قال بعضهم : إن اللام بمعنى إلى. لما كان ينادي في معنى يدعو، حسن وصولها باللام بمعنى : إلى. وقيل : اللام لام العلة، أي لأجل الإيمان. وقيل : اللام بمعنى الباء، أي بالإيمان. والسماع محمول على حقيقته، أي سمعنا صوت مناد. قيل : ومن جعل المنادي هو القرآن، فالسماع عنده مجاز عن القبول، وأن مفسرة التقدير : أن آمنوا. وجوز أن تكون مصدرية وصلت بفعل الأمر، أي : بأن آمنوا. فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب. وعلى الثاني لها موضع وهو الجر، أو النصب على الخلاف. وعطف فآمنا بالفاء مؤذن بتعجيل القبول، وتسبيب الإيمان عن السماع من غير تراخ، والمعنى : فآمنا بك أو بربنا.

_
(١) سورة الشعراء : ٢٦/ ٧٢.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٤٦.
(٣) سورة النحل : ١٦/ ١٢٥.


الصفحة التالية
Icon