البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٧٤
رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا قال ابن عباس : الذنوب هي الكبائر، والسيئات هي الصغائر. ويؤيده : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ «١» وقيل : الذنوب ترك الطاعات، والسيئات فعل المعاصي. وقيل : غفران الذنوب وتكفير السيئات أمر قريب بعضه من بعض، لكنه كرر للتأكيد، ولأنها مناح من الستر وإزالة حكم الذنوب بعد حصوله، والغفران والتكفير بمعنى، والذنوب والسيئات بمعنى، وجمع بينهما تأكيدا ومبالغة، وليكون في ذلك إلحاح في الدعاء.
فقد روى :«إن اللّه يحب الملحين في الدعاء».
وقيل : في التفكير معنى وهو : التغطية، ليأمنوا الفضوح. والكفارة هي الطاعة المغطية للسيئة، كالعتق والصيام والإطعام. ورجل مكفر بالسلاح، أي مغطى.
وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ جمع بر، على زن فعل، كصلف. أو جمع بار على وزن فاعل كضارب، وأدغمت الراء في الراء. وهم : الطائعون للّه، وتقدم معنى البرّ. وقيل : هم هنا الذين بروا الآباء والأبناء. ومع هنا مجاز عن الصحبة الزمانية إلى الصحبة في الوصف، أي : توفنا أبرارا معدودين في جملة الأبرار. والمعنى : اجعلنا ممن توفيتهم طائعين لك.
وقيل : المعنى احشرنا معهم في الجنة.
رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ الظاهر أنهم سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على رسله، ففسر هذا الموعود به بالجنة قاله : ابن عباس. وقيل : الموعود به النصر على الأعداء. وقيل : استغفار الأنبياء، كاستغفار نوح وابراهيم ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهم أجمعين، واستغفار الملائكة لهم.
وقوله : على رسلك هو على حذف مضاف، فقدره الطبري وابن عطية : على ألسنة رسلك. وقدره الزمخشري : على تصديق رسلك. قال : فعلى هذه صلة للوعد في قولك :
وعد اللّه الجنة على الطاعة. والمعنى : ما وعدتنا على تصديق رسلك. ألا تراه كيف اتبع ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول، وقوله : آمنا وهو التصديق. ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف أي : ما وعدتنا منزلا على رسلك، أو محمولا على رسلك، لأنّ الرسل يحملون ذلك، فإنما عليه ما حمل انتهى. وهذا الوجه الذي ذكر آخرا أنه يجوز ليس بجائز، لأن من قواعد النحويين أن الجارّ والمجرور والظرف متى كان العامل فيهما مقيدا فلا بد من ذكر ذلك العامل، ولا يجوز حذفه، ولا يحذف العامل إلا إذا كان كونا مطلقا. مثال ذلك : زيد
(١) سورة النساء : ٤/ ٣١.