البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٨
والجملة إذ ذاك صفة لقوله : وأخرى كافرة، ففي الوجه الأول الرابط الواو، وفي هذا الوجه الرابط ضمير النصب. وإذا كان الضمير في : لكم، لليهود فالآية كما أمر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يقوله لهم احتجاجا عليهم، وتثبيتا لصورة الوعد السابق من أن الكفار : سيغلبون.
فمن قرأ بالتاء كان معناه : لو حضرتم، أو : إن كنتم حضرتم، وساغ هذا الخطاب لوضوح الأمر في نفسه، ووقوع اليقين به، لكل إنسان في ذلك العصر، ومن قرأ بالياء فضمير الفاعل يحتمل أن يكون للفئة المؤمنة، ويحتمل أن يكون للفئة الكافرة على ما تقرر قبل.
والرؤية في هاتين القراءتين بصرية تتعدّى لواحد، وانتصب : مثليهم، على الحال.
قاله أبو علي، ومكي، والمهدوي. ويقوي ذلك ظاهر قوله : رأي العين، وانتصابه على هذا انتصاب المصدر المؤكد.
قال الزمخشري : رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات. وقيل :
الرؤية هنا من رؤية القلب، فيتعدى لإثنين، والثاني هو : مثليهم. ورد هذا بوجهين :
أحدهما : قوله تعالى : رأي العين، والثاني : أن رؤية القلب علم، ومحال أن يعلم الشيء شيئين.
وأجيب عن الأول : بأن انتصابه انتصاب المصدر التشبيهي، أي : رأيا مثل رأي العين أي يشبه رأي العين وليس في التحقيق به. وعن الثاني : بأن معنى الرؤية هنا الاعتقاد، فلا يكون ذلك محالا. وإذا كانوا قد أطلقوا العلم في اللغة على الاعتقاد دون اليقين، فلأن يطلقوا الرأي عليه أولى. قال تعالى : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ «١» أي فإن اعتقدتم إيمانهن، ويدل على هذا قراءة من قرأ : ترونهم، بضم التاء، أو الياء. قالوا : فكأن المعنى أن اعتقاد التضعيف في جمع الكفار أو المؤمنين كان تخمينا وظنا، لا يقينا. فلذلك ترك في العبارة ضرب من الشك، وذلك أن : أري، بضم الهمزة تقولها فيما عندك فيه نظر، وإذا كان كذلك، فكما استحال أن يحمل الرأي هنا على العلم، يستحيل أن يحمل على النظر بالعين، لأنه كما لا يقع العلم غير مطابق للمعلوم، كذلك لا يقع النظر البصري مخالفا للمنظور إليه، فالظاهر أن ذلك إنما هو على سبيل التخمين والظن، وإنه لتمكن ذلك في اعتقادهم. شبه برؤية العين.
(١) سورة الممتحنة : ٦٠/ ١٠.