البحر المحيط، ج ٣، ص : ٤٩
والرأي مصدر : رأى، يقال : رأى رأيا ورؤية ورؤيا، ويغلب رؤيا في المنام ورؤية في البصرية يقظة، ورأيا في الاعتقاد، يقال : هذا رأي فلان، قال :
رأى الناس إلا من رأى مثل رأيه خوارج تراكين قصد المخارج
ومعنى : مثليهم، قدرهم مرتين. وزعم الفراء أن معنى : يرونهم مثليهم، ثلاثة أمثالهم كقول القائل : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها. وغلطه الزجاج. وقال : إنما مثل الشيء مساو له. ومثلاه مساويه مرتين.
وقال ابن كيسان : أوقع الفراء في هذا التأويل أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المسلمين يوم بدر، فتوهم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلّا على عدتهم، وهذا بعيد، وليس المعنى عليه، وإنما المعنى أراهم اللّه على غير عدتهم بجهتين : إحداهما : أنه رأى الصلاح في ذلك، لأن المؤمنين يقوي قلوبهم بذلك. والأخرى : أنه آية النبي صلى اللّه عليه وسلم. انتهى كلام ابن كيسان.
وتظاهرت الروايات أن جميع الكفار ببدر كانوا نحو الألف أو تسعمائة، والمؤمنين ثلاثمائة وأربعة عشر. وقيل : وثلاثة عشرة، لكن رجع بنو زهرة مع الأخنس بن شريق، ورجع طالب بن أبي طالب وأتباع، وناس كثير حتى بقي للقتال من يقرب من الثلثين، فذكر اللّه المثلين، إذ أمرهما متيقن لم يدفعه أحد. وحكي عن ابن عباس : أن المشركين كانوا في قتال بدر ستمائة وستة وعشرين، وقد ذهب الزجاج وغيره إلى أنهم كانوا نحو الألف.
وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«يوم بدر القوم ألف». وقال ابن عباس : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا.
وقال في رواية : لقد قللوا في أعيننا حتى لقد قلت لرجل إلى جانبي تراهم سبعين؟ قال :
أراهم مائة. فأسرنا منهم رجلا فقلنا : كم كنتم؟ قال : ألفا. ونقل أن المشركين لما أسروا، قالوا للمسلمين : كم كنتم؟ قالوا : كنا ثلاثمائة وثلاثة عشرة، قالوا : ما كنا نراكم إلّا تضعفون علينا! وتكثير كل طائفة في عين الأخرى، وتقليلها بالنسبة إلى وقتين جائز، فلا يمتنع.
وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ أي : يقويه بعونه. وقيل : النصر الحجة. ونسبة التأييد إليه يدل على أن المؤيد هم المؤمنون، ومفعول : من يشاء، محذوف أي : من يشاء نصره.