البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٠٣
إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً قرأ الجمهور بضم الحاء، والحسن بفتحها وهي لغة بني تميم وغيرهم، وبعض القراء : إنه كان حابا كبيرا، وكلها مصادر. قال ابن عباس والحسن وغيرهما : الحوب الإثم. وقيل : الظلم. وقيل : الوحشة. والضمير في إنه عائد على الأكل. وقيل : على التبدل. وعوده على الأكل أقرب لقربه منه، ويجوز أن يعود عليهما.
كأنه قيل : إن ذلك كما قال :
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
أي كان ذلك وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت : نزلت في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهم في المهر لمكان ولايتهم عليهن. فقيل لهم : أقسطوا في مهورهن، فمن خاف أن لا يقسط فليتزوج ما طاب له من الاجنبيات اللواتي يماكسن في حقوقهن. وقاله أيضا ربيعة. وقال عكرمة : نزلت في قريش يتزوج منهم الرجل العشرة وأكثر وأقل، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فيتزوج منه، فقيل له : إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا. وقال ابن عباس، وابن جبير، وقتادة، والسدي : كانت العرب تتحرج في أموال اليتامى ولا تتحرج في العدل بين النساء، يتزوجون العشرة فأكثر، فنزلت في ذلك أي : كما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك فتحرجوا في النساء، وانكحوا على هذا الحد الذي يبعد الجور عنه. وقال مجاهد :
إنما الآية تحذير من الزنا وزجر عنه، أي كما تتحرجون في مال اليتامى فكذلك تحرجوا من الزنا، وانكحوا على ما حد لكم. وعلى هذه الأقوال غير الأول لا يختص اليتامى بإناث ولا ذكور، وعلى ما روي عن عائشة يكون مختصا بالإناث كأنه قيل في يتامى النساء.
والظاهر من هذه الأقوال أن يكون التقدير : وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح يتامى النساء فانكحوا ما طاب لكم من غيرهن، لما أمروا بأن يؤتوا اليتامى أموالهم، ونهوا عن الاستبدال المذكور، وعن أكل أموال اليتامى، كان في ذلك مزيد اعتناء باليتامى واحتراز من ظلمهم كما قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً «١» فخوطب أولياء يتامى النساء أو الناس بقوله : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي : في نكاح يتامى النساء، فانكحوا غيرهن، وعلى هذا الذي اخترناه من أن المعنى في
(١) سورة النساء : ٤/ ١٠.