البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥١٠
الكناية، لأن كثرة العيال يتسبب عنها الفقر. والظاهر أن المعنى : أن اختيار الحرة الواحدة أو الأمة أقرب إلى انتفاء الجور، إذ هو المحذور المعلق على خوفه الاختيار المذكور. أي :
عبر عن قوله : أن لا تعولوا بأن لا يكثر عيالكم، فإنه عبر عن المسبب بالسبب، لأن كثرة العيال ينشأ عنه الجور.
وقرأ طلحة أن لا تعيلوا بفتح التاء، أي لا تفتقروا من العيلة كقوله : وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً «١» وقال الشاعر :
فما يدري الفقير متى غناه ولا يدري الغني متى يعيل
وقرأ طاوس : أن لا تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله، وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي من حيث المعنى الذي قصده. وأن تتعلق بأدنى وهي في موضع نصب أو جر على الخلاف، إذ التقدير : أدنى إلى أن لا تعولوا. وافعل التفضيل إذا كان الفعل يتعدى بحرف جر يتعدّى هو إليه. تقول : دنوت إلى كذا فلذلك كان التقدير أدنى إلى أن تعولوا. ويجوز أن يكون الحرف المحذوف لام الجر، لأنك تقول : دنوت لكذا.
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً الظاهر : أن الخطاب للأزواج، لأن الخطاب قبله لهم، قاله : ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وابن جريج. قيل : كان الرجل يتزوج بلا مهر يقول : أرثك وترثيني فتقول : نعم. فأمروا أن يسرعوا إعطاء المهور. وقيل : الخطاب لأولياء النساء، وكانت عادة بعض العرب أن يأكل ولي المرأة مهرها، فرفع اللّه ذلك بالإسلام.
قاله : أبو صالح، واختاره : الفراء وابن قتيبة. وقيل : المراد بالآية ترك ما كان يفعله المتشاغرون من تزويج امرأة بأخرى، وأمروا بضرب المهور قاله : حضرمي، والأمر بإيتاء النساء صدقاتهن نحلة يتناول هذه الصور كلها.
والصدقات المهور. قال ابن عباس وابن جريج وابن زيد وقتادة : نحلة فريضة.
وقيل : عطية تمليك قاله الكلبي والفراء. وقيل : شرعة ودينا قاله : ابن الأعرابي. قال الراغب : والنحلة أخص من الهبة، إذ كل هبة نحلة ولا ينعكس، وسمي الصداق نحلة من حيث لا يجب في مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالي. ومن قال : النحلة الفريضة نظر إلى حكم الآية، لا إلى موضوع اللفظ والاشتقاق، والآية اقتضت إتيانهن الصداق انتهى.
ودل هذا الأمر على التحرج من التعرض لمهور النساء كما دل الأمر في :

_
(١) سورة التوبة : ٩/ ٢٨.


الصفحة التالية
Icon