البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٣٤
إلى لفظ الإيصاء لأنه أبلغ وأدل على الاهتمام، وطلب حصوله سرعة، وقيل : يعهد إليكم كقوله : ما وَصَّى بِهِ نُوحاً «١» وقيل : يبين لكم في أولادكم مقادير ما أثبت لهم من الحق مطلقا بقوله للرّجال وأولوا الأرحام «٢» وقيل : يفرض لكم. وهذه أقوال متقاربة.
والخطاب في : يوصيكم، للمؤمنين، وفي أولادكم : هو على حذف مضاف. أي :
في أولاد موتاكم، لأنه لا يجوز أن يخاطب الحي بقسمة الميراث في أولاده ويفرض عليه ذلك، وإن كان المعنى بيوصيكم يبين جاز أن يخاطب الحي، ولا يحتاج إلى حذف مضاف. والأولاد يشمل الذكور والإناث، إلا أنه خص من هذا العموم من قام به مانع الإرث، فأما الرّق فمانع بالإجماع، وأما الكفر فكذلك، إلا ما ذهب إليه معاذ من : أن المسلم يرث الكافر. وأما القتل فإن قتل أباه لم يرث، وكذا إذا قتل جده وأخاه أو عمه، لا يرث من الدية، هذا مذهب ابن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والزهري، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة وسفيان وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد : لا يرث من المال، ولا من الدية شيئا. واستثنى النخعي من عموم أولادكم الأسير، فقال : لا يرث.
وقال الجمهور : إذا علمت حياته يرث، فإن جهلت فحكمه حكم المفقود. واستثنى من العموم الميراث من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وأما الجنين فإن خرج ميتا لم يرث، وإن خرج حيا فقال القاسم، وابن سيرين، وقتادة، والشعبي، والزهري، ومالك، والشافعي : يستهل صارخا، ولو عطس أو تحرك أو صاح أو رضع أو كان فيه نفس. وقال الأوزاعي وسفيان والشافعي :
إذا عرفت حياته بشيء من هذه، وإن لم يستهل فحكمه حكم الحي في الإرث. وأما الجنين في بطن أمه فلا خلاف في أنه يرث، وإنما الخلاف في قسمة المال الذي له فيه سهم. وذلك مذكور في كتب الفقه. وأما الخنثى فداخل في عموم أولادكم، ولا خلاف في توريثه، والخلاف فيما يرث وفيما يعرف به أنه خنثى، وذلك مذكور في كتب الفقه. وأما المفقود فقال أبو حنيفة : لا يرث في حال فقده من أحد شيئا.
وقال الشافعي : يوقف نصيبه حتى يتحقق موته، وهو ظاهر قول مالك : وأما المجنون والمعتوه والسفيه فيرثون إجماعا، والولد حقيقة في ولد الصلب ويستعمل في ولد الابن، والظاهر أنه مجاز. إذ لو كان حقيقة بطريق الاشتراك أو التواطؤ لشارك ولد الصلب مطلقا،
(١) سورة الشورى : ٤٢/ ١٣.
(٢) إشارة إلى الآية ٧ من سورة النساء.