البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٦٧
المراد بالأول المنافقون. كما فرق بينهم في قوله : فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» لأن المنافق كان مخالفا للكافر بظاهره في الدنيا. والذي يظهر أنها في عصاة المؤمنين الذين يتوبون حال اليأس من الحياة، لأن المنافقين مندرجون في قوله :
وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ «٢» فهم قسم من الكفار لا قسيم لهم. وقيل : إنما التوبة على اللّه في الصغائر، وليست التوبة للذين يعملون السيئات في الكبائر، ولا الذين يموتون وهم كفار في الكفر.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً قال ابن عباس، وعكرمة، والحسن، وأبو مجلز : كان أولياء الميت أحق بامرأته من أهلها، إن شاؤوا تزوجها أحدهم، أو زوجوها غيرهم، أو منعوها. وكان ابنه من غيرها يتزوجها، وكان ذلك في الأنصار لازما، وفي قريش مباحا. وقال مجاهد : كان الابن الأكبر أحق بامرأة أبيه، إذا لم يكن ولدها.
وقال السدي : إن سبق الولي فوضع ثوبه عليها كان أحق بها، أو سبقته إلى أهلها كانت أحق بنفسها، فأذهب اللّه ذلك بهذه الآية.
والخطاب على هذا للأولياء نهوا أن يرثوا النساء المخلفات عن الموتى كما يورث المال. والمراد نفي الوراثة في حال الطوع والكراهة، لا جوازها في حال الطوع استدلالا بالآية، فخرج هذا الكره مخرج الغالب، لأن غالب أحوالهن أن يكنّ مجبورات على ذلك إذ كان أولياؤه أحق بها من أولياء نفسها. وقيل : هو إمساكهن دون تزويج حتى يمتن فيرثون أموالهن، أو في حجره يتيمة لها مال فيكره أن يزوجها غيره محافظة على مالها، فيتزوجها كرها لأجله. أو تحته عجوز ذات مال، ويتوق إلى شابة فيمسك العجوز لمالها، ولا يقربها حتى تفتدي منه بمالها، أو تموت فيرث مالها. والخطاب للأزواج، وعلى هذا القول وما قبله يكون الموروث مالهن، لا هن. وانتصب كرها على أنه مصدر في موضع الحال من النساء، فيقدر باسم فاعل أي : كارهات، أو باسم مفعول أي : مكرهات. وقرأ الحرميان وأبو عمرو : بفتح الكاف، حيث وقع وحمزة والكسائي بضمها، وعاصم وابن عامر بفتحها في هذه السورة وفي التوبة، وبضمها في الأحقاف وفي المؤمنين، وهما لغتان : كالصمت والصمت قاله : الكسائي والأخفش وأبو علي. وقال الفراء : الفتح بمعنى الإكراه، والضم من فعلك تفعله كارها له من غير مكره كالأشياء التي فيها مشقة وتعب، وقاله : أبو عمرو بن
(١) سورة الحديد : ٥٧/ ١٥.
(٢) سورة النساء : ٤/ ١٨.