البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٦٨
العلاء وابن قتيبة أيضا. وتقدّم الكلام عليه في قوله : وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ «١» في البقرة.
وقرىء : لا تحل لكم بالتاء على تقدير لا تحل لكم الوراثة، كقراءة من قرأ : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا «٢» أي إلا مقالتهم، وانتصاب النساء على أنه مفعول به إمّا لكونهن هن أنفسهن الموروثات، وإما على حذف مضاف أي : أموال النساء.
وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ أي لا تحبسوهن ولا تضيقوا عليهن.
وظاهر هذا الخطاب أنه للأزواج لقوله : ببعض ما آتيتموهن، لأن الزوج هو الذي أعطاها الصداق. وكان يكره صحبة زوجته ولها عليه مهر، فيحبسها ويضربها حتى تفتدي منه قاله :
ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي. أو ينكح الشريفة فلا توافقه، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، ويشهد على ذلك، فإذا خطبت وأرضته أذن لها، وإلا عضلها قاله : ابن زيد. أو كانت عادتهم منع المطلقة من الزوج ثلاثا فنهوا عن ذلك. وقيل : هو خطاب للأولياء كما بين في قوله : لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً «٣» ويحتمل أن يكون الخطاب للأولياء والأزواج في قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «٤» فلقوا في هذا الخطاب، ثم أفرد كل في النهي بما يناسبه، فخوطب الأولياء بقوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، وخوطب الأزواج بقوله : ولا تعضلوهن، فعاد كل خطاب إلى من يناسبه. وتقدّم تفسير العضل في البقرة في قوله : فَلا تَعْضُلُوهُنَّ «٥» والباء في ببعض ما آتيتموهن للتعدية، أي : لتذهبوا بعض ما آتيتموهن. ويحتمل أن تكون الباء للمصاحبة أي : لتذهبوا مصحوبين ببعض ما آتيتموهن.
إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ هذا استثناء متصل، ولا حاجة إلى دعوى الانقطاع فيه كما ذهب إليه بعضهم. وهو استثناء من ظرف زمان عام، أو من علة. كأنه قيل : ولا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلا وقت أن يأتين. أو لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لأن يأتين. والظاهر أن الخطاب بقوله : ولا تعضلوهن للأزواج إذ ليس للولي حبسها حتى يذهب بمالها إجماعا من الأمة، وإنما ذلك للزوج على ما تبين.
والفاحشة هنا الزنا قاله : أبو قلابة والحسن. قال الحسن : إذا زنت البكر جلدت مائة ونفيت سنة، وردت إلى زوجها ما أخذت منه. وقال أبو قلابة : إذا زنت امرأة الرجل

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢١٦. [.....]
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٢٣.
(٣) سورة النساء : ٤/ ١٩.
(٤) سورة النساء : ٤/ ١٩.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٢.


الصفحة التالية
Icon