البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٩٧
مُحْصَناتٍ أي عفائف، ويحتمل مسلمات.
غَيْرَ مُسافِحاتٍ أي غير معلنات بالزنا.
وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ أي : ولا متسترات بالزنا مع أخدانهن. وهذا تقسيم الواقع لأن الزانية إما أن تكون لا ترد يد لامس، وإما أن تقتصر على واحد، وعلى هذين النوعين كان زنا الجاهلية. قال ابن عباس : كان قوم يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه. والخدن : هو الصديق للمرأة يزني بها سرا، فنهى اللّه تعالى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وانتصاب محصنات على الحال، والظاهر أنّ العامل فيه : وآتوهن، ويجوز على هذا الوجه أن يكون معنى محصنات مزوجات أي : وآتوهن أجورهن في حال تزويجهن، لا في حال سفاح، ولا اتخاذ خدن. قيل : ويجوز أن يكون العامل في محصنات فانكحوهن محصنات أي : عفائف أو مسلمات، غير زوان.
فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ قال الجمهور ومنهم ابن مسعود : الإحصان هنا الإسلام. والمعنى : أن الأمة المسلمة عليها نصف حد الحرة المسلمة. وقد ضعف هذا القول، بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدّمت في قوله : مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ «١» فكيف يقال في المؤمنات : فإذا أسلمن؟ قاله : إسماعيل القاضي. وقال ابن عطية : ذلك غير لازم، لأنه جائز أن يقطع في الكلام ويزيد، فإذا كنّ على هذا الصفة المتقدمة من الإيمان فإن أتين فعليهن، وذلك سائغ صحيح انتهى. وليس كلامه بظاهر، لأن أسلمن فعل دخلت عليه أداة الشرط، فهو مستقبل مفروض التجدد والحدوث فيما يستقبل، فلا يمكن أن يعبر به عن الإسلام، لأن الإسلام متقدم سابق لهن.
ثم إنه شرط جاء بعد قوله تعالى : فَانْكِحُوهُنَّ «٢» فكأنه قيل : فإذا أحصن بالنكاح، فإن أتين.
ومن فسر الإحصان هنا بالإسلام جعله شرطا في وجوب الحد، فلو زنت الكافرة لم تحد، وهذا قول : الشعبي، والزهري، وغيرهما، وقد روي عن الشافعي. وقالت فرقة : هو التزويج، فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها قاله : ابن عباس، والحسن، وابن جبير، وقتادة. وقالت فرقة : هو التزوج. وتحد الأمة المسلمة بالسنة تزوجت أو لم

_
(١) سورة النساء : ٤/ ٢٥.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢٥.


الصفحة التالية
Icon