البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٩٨
تتزوج، بالحديث الثابت
في صحيح البخاري ومسلم، وهو أنه قيل : يا رسول اللّه، الأمة، إذا زنت ولم تحصن، فأوجب عليها الحد».
قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث. وهذا السؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا أنّ معنى : فإذا أحصن، تزوجن. وجواب الرسول : يقتضي تقرير ذلك، ولا مفهوم لشرط الإحصان الذي هو التزوج، لأنه وجب عليه الحد بالسنة وإن لم تحصن، وإنما نبه على حالة الإحصان الذي هو التزوج، لئلا يتوهم أنّ حدها إذا تزوجت كحد الحرة إذا أحصنت وهو الرجم، فزال هذا التوهم بالإخبار : أنه ليس عليها إلا نصف الحد الذي يجب على الحرائر اللواتي لم يحصن بالتزويج، وهو الجلد خمسين.
والمراد بالعذاب الجلد كقوله تعالى : وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «١» ولا يمكن أن يراد الرجم، لأنّ الرجم لا يتنصف. والمراد بفاحشة هنا : الزنا، بدليل إلزام الحد. والظاهر أنه يجب نصف ما على الحرة من العذاب، والحرة عذابها جلد مائة وتغريب عام، فحد الأمة خمسون وتغريب ستة أشهر. وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين، واختاره الطبري. وذهب ابن عباس والجمهور : إلى أنه ليس عليها إلا جلد خمسين فقط، ولا تغرب. فإن كانت الألف واللام في العذاب لعهد العذاب المذكور في القرآن فهو الجلد فقط، وإن كانت للعهد في العذاب المستقر في الشرع على الحرة كان الجلد والتغريب.
والظاهر وجوب الحد من قوله : فعليهن، فلا يجوز العفو عن الأمة من السيد إذا زنت، وهو مذهب الجمهور. وذهب الحسن إلى أن للسيد أن يعفو، ولم تتعرض الآية لمن يقيم الحد عليها.
قال ابن شهاب : مضت السنة أن يحدّ الأمة والعبد في الزنا أهلوهم، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان، فليس لأحد أن يفتات عليه. وقال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم. وأقام الحد على عبيدهم جماعة من الصحابة منهم : ابن عمر، وأنس. وجاءت بذلك ظواهر الأحاديث
كقوله :«إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد»
وبه قال الثوري والأوزاعي. وقال مالك والليث : يحد السيد إلا في القطع، فلا يقطع إلا الإمام. وقال أبو حنيفة : لا يقيم الحدود على العبيد والإماء إلا السلطان دون الموالي وظاهر الآية يدل على وجوب الحد عليها في حال كونها أمة، فلو
(١) سورة النور : ٢٤/ ٢.