البحر المحيط، ج ٣، ص : ٥٩٩
عتقت قبل أن يقام عليها الحد أقيم عليها حد أمة، وهذا مجمع عليه. والمحصنات هنا الأبكار الحرائر، لأنّ الثيب عليها الرجم. وظاهر الآية أنه لا يجب إلا هذا الحدّ. وذهب أهل الظاهر منهم داود : إلى أنه يجب بيعها إذا زنت زنية رابعة.
وقرأ حمزة والكسائي : أحصن مبنيا للفاعل، وباقي السبعة : مبنيا للمفعول إلا عاصما، فاختلف عنه. ومن بناه للمفعول فهو ظاهر حدّا في أنه أريد به التزوج، ويقوي حمله مبنيا للفاعل على هذا المعنى أي : أحصن أنفسهن بالتزويج. وجواب فإذا الشرط وجوابه وهو قوله : فإن أتين بفاحشة فعليهن، فالفاء في : فإن أتين هي فاء الجواب، لا فاء العطف، ولذلك ترتب الثاني، وجوابه على وجود الأول، لأنّ الجواب مترتب على الشرط في الوجود، وهو نظير : إن دخلت الدار فإن كلمت زيدا فأنت طالق، لا يقع الطلاق إلا إذا دخلت الدار أولا ثم كلمت زيدا ثانيا. ولو أسقطت الفاء من الشرط الثاني لكان له حكم غير هذا، وتفصيل ذكر في النحو. ومن العذاب في موضع الحال من الضمير المستكن في صلة ما.
ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ذلك إشارة إلى نكاح عادم طول الحرّة المؤمنة.
والعنت : هو الزنا. قاله : ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والضحاك، وعطية العوفي، وعبد الرحمن بن زيد. والعنت : أصله المشقة، وسمي الزنا عنتا باسم ما يعقبه من المشقة في الدنيا والآخرة. قال المبرد : أصل العنت أن يحمله العشق والشبق على الزنا، فيلقى العذاب في الآخرة، والحدّ في الدنيا. وقال أبو عبيدة والزجاج : العنت الهلاك. وقالت طائفة : الحد. وقالت طائفة : الإثم الذي تؤدي إليه غلبة الشهوة. وظاهر هذا أنه إذا لم يخش العنت لا يجوز له نكاح الأمة. والذي دلّ عليه ظاهر القرآن : أنه لا يجوز نكاح الحرّ الأمة إلا بثلاثة شروط : اثنان في الناكح وهما : عدم طول الحرّة المؤمنة، وخوف العنت. وواحد في الأمة وهو الإيمان.
وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ظاهره الإخبار عن صبر خاص، وهو غير نكاح الإماء، وقاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير والسدي : وجهة الخيرية كونه لا يرق ولده، وأن لا يبتذل هو، وينتقص في العادة بنكاح الأمة. وفي سنن ابن ماجة من حديث أنس قال :
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :«من أراد أن يلقى اللّه طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر»
وجاء في الحديث :«انكحوا الأكفاء واختاروا لنطفكم».
وقيل : المراد وإن تصبروا عن الزنا بنكاح


الصفحة التالية
Icon