البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٠٠
الإماء خير لكم، وعلى هذا فالخيرية ظاهرة. ويكون على هذا القول في الآية إيناس لنكاح الإماء، وتقريب منه، إذ كانت العرب تنفر عنه. وإذا جعل : وإن تصبروا عاما، اندرج فيه الصبر المقيد وهو : عن نكاح الإماء، وعن الزنا. إذ الصبر خير، من عدمه، لأنه يدل على شجاعة النفس وقوة عزمها، وعظم إبائها، وشدة حفاظها. وهذا كله يستحسنه العقل، ويندب إليه الشرع، وربما أوجبه في بعض المواضع. وجعل اللّه تعالى أجر الصابر موفاة بغير حساب، وقد قال بعض أهل العلم : إنّ سائر العبادات لا بد لها من الصبر. قال تعالى : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ «١».
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لما ندب بقوله : وأن تصبروا إلى الصبر عن نكاح الإماء، صار كأنه في حيز الكراهة، فجاء بصفة الغفران المؤذنة بأنّ ذلك مما سامح فيه تعالى، وبصفة الرحمة حيث رخص في نكاحهن وأباحه.
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ مفعول يتوب محذوف وتقديره : يريد اللّه هذا هو مذهب سيبويه فيما نقل ابن عطية، أي : تحليل ما حلل، وتحريم ما حرم، وتشريع ما تقدّم ذكره. والمعنى : يريد اللّه تكليف ما كلف به عباده مما ذكر لأجل التبيين لهم بهدايتهم، فمتعلق الإرادة غير التبيين وما عطف عليه، هذا مذهب البصريين. ولا يجوز عندهم أن يكون متعلق الإرادة التبيين، لأنه يؤدي إلى تعدي الفعل إلى مفعوله المتأخر بوساطة اللام، وإلى إضمار أنّ بعد لام ليست لام الجحود، ولا لام كي، وكلاهما لا يجوز عندهم. ومذهب الكوفيين : أنّ متعلق الإرادة هو التبيين، واللام هي الناصبة بنفسها لا أن مضمرة بعدها. وقال بعض البصريين : إذا جاء مثل هذا قدر الفعل الذي قبل اللام بالمصدر فالتقدير : إرادة اللّه لما يريد ليبين، وكذلك أريد لا ينسى ذكرها، أي : إرادتي لا ينسى ذكرها. وكذلك قوله تعالى : وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٢» أي :
أمرنا بما أمرنا لنسلم انتهى. وهذا القول نسبه ابن عيسى لسيبويه والبصريين، وهذا يبحث في علم النحو.
وقال الزمخشري : أصله يريد اللّه أن يبين لكم، فزيدت اللام مؤكدة لإرادة التبيين، كما زيدت في لا أبا لك لتأكيد إضافة الأب، والمعنى : يريد اللّه أن يبين لكم ما خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم انتهى كلامه وهو خارج عن أقوال البصريين والكوفيين.
(١) سورة البقرة : ٢/ ٤٥.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ٧١.