البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٠
نسبة الإعلام، أو صحة نسبة الإظهار والبيان، وإن اختلفت كيفية الإظهار والبيان من حيث أن إظهاره تعالى بخلق الدلائل، وإظهار الملائكة بتقريرها للرسل، والرسل لأولي العلم.
وقال الواحدي : شهادة اللّه بيانه وإظهاره، والشاهد هو العالم الذي بيّن ما علمه، واللّه تعالى بيّن دلالات التوحيد بجميع ما خلق، وشهادة الملائكة بمعنى الإقرار كقوله :
لُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
«١» أي : أقررنا. فنسق شهادة الملائكة على شهادة اللّه، وإن اختلفت معنى، لتماثلهما لفظا. كقوله : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «٢» لأنها من اللّه الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار والدعاء. وشهادة أولي العلم يحتمل الإقرار ويحتمل التبيين، لأنهم أقرّوا وبينوا. انتهى.
وقال المؤرج : شهد اللّه، بمعنى : قال اللّه، بلغة قيس بن غيلان.
وأُولُوا الْعِلْمِ قيل : هم الأنبياء. وقيل : مؤمنو أهل الكتاب. وقيل : المهاجرون والأنصار. وقيل : علماء المؤمنين. وقال الحسن : المؤمنون.
والمراد بأولي العلم : من كان من البشر عالما، لأنهم ينقسمون إلى : عالم وجاهل، بخلاف الملائكة. فإنهم في العلم سواء.
وأَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ : مفعول : شهد، وفصل به بين المعطوف عليه والمعطوف، ليدل على الاعتناء بذكر المفعول، وليدل على تفاوت درجة المتعاطفين، بحيث لا ينسقان متجاورين. وقدم الملائكة على أولي العلم من البشر لأنهم الملأ الأعلى، وعلمهم كله ضروري، بخلاف البشر، فإن علمهم ضروري واكتسابي.
وقرأ أبو الشعثاء : شهد، بضم الشين مبنيا للمفعول، فيكون : أنه، في موضع البدل أي : شهد وحدانية اللّه وألوهيته. وارتفاع : الملائكة، على هذه القراءة على الابتداء، والخبر محذوف تقديره : والملائكة وأولو العلم يشهدون. وحذف الخبر لدلالة المعنى عليه، ويحتمل أن يكون فاعلا بإضمار فعل محذوف لدلالة شهد عليه، لأنه إذا بني الفعل للمفعول فإنه قبل ذلك كان مبنيا للفاعل، والتقدير : وشهد بذلك الملائكة وأولو العلم.
وقرأ أبو المهلب، عم محارب بن دثار : شهداء اللّه، على وزن : فعلاء، جمعا منصوبا.

_
(١) سورة الأنعام : ٦/ ١٣٠.
(٢) سورة الأحزاب : ٣٣/ ٥٦. [.....]


الصفحة التالية
Icon