البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٠٤
ويريد للعطف على ما قررناه. وأجاز الراغب أن تكون الواو للحال لا للعطف، قال : تنبيها على أنه يريد التوبة عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا، فخالف بين الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى، وتأخيره في الجملة الثانية، ليبين أنّ الثاني ليس على العطف انتهى. وهذا ليس بجيد، لأنّ إرادته تعالى التوبة علينا ليست مقيدة بإرادة غيره الميل، ولأنّ المضارع باشرته الواو، وذلك لا يجوز، وقد جاء منه شيء نادر يؤوّل على إضمار مبتدأ قبله، لا ينبغي أن يحمل القرآن عليه، لا سيما إذا كان للكلام محمل صحيح فصيح، فحمله على النادر تعسف لا يجوز.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ لم يذكر متعلق التخفيف، وفي ذلك أقوال : أحدها أن يكون في إباحة نكاح الأمة وغيره من الرخص. الثاني في تكليف النظر وإزالة الحيرة فيما بين لكم مما يجوز لكم من النكاح وما لا يجوز. الثالث : في وضع الإصر المكتوب على من قبلنا، وبمجيء هذه الملة الحنيفية سهلة سمحة. الرابع : بإيصالكم إلى ثواب ما كلفكم من تحمل التكاليف. الخامس : أن يخفف عنكم إثم ما ترتكبون من المآثم لجهلكم.
وأعربوا هذه الجملة حالا من قوله : واللّه يريد أن يتوب عليكم، والعامل في الحال يريد، التقدير : واللّه يريد أن يتوب عليكم مريدا أن يخفف عنكم، وهذا الإعراب ضعيف، لأنه قد فصل بين العامل والحال بجملة معطوفة على الجملة التي في ضمنها العامل، وهي جملة أجنبية من العامل والحال، فلا ينبغي أن تجوز إلا بسماع من العرب. ولأنه رفع الفعل الواقع حالا الاسم الظاهر، وينبغي أن يرفع ضميره لا ظاهره، فصار نظير : زيد يخرج يضرب زيد عمرا. والذي سمع من ذلك إنما هو في الجملة الابتدائية، أو في شيء من نواسخها. أما في جملة الحال فلا أعرف ذلك. وجواز ذلك فيما ورد إنما هو فصيح حيث يراد التفخيم والتعظيم، فيكون الربط في الجملة الواقعة خبرا بالظاهر. أما جملة الحال أو الصفة فيحتاج الربط بالظاهر فيها إلى سماع من العرب، والأحسن أن تكون الجملة مستأنفة، فلا موضع لها من الإعراب. أخبر بها تعالى عن إرادته التخفيف عنا، كما جاء يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ «١».
وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً قال مجاهد وطاووس وابن زيد : الإخبار عن ضعف
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٨٥.