البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٠٥
الإنسان إنما هو في باب النساء، أي لما علمنا ضعفكم عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء. قال طاووس : ليس يكون الإنسان أضعف منه في أمر النساء. وقال ابن المسيب : ما أيس الشيطان من بني آدم قط إلا أتاهم من النساء، فقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عيني وأنا أعشق بالأخرى، وأن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء.
قال الزمخشري : ضعيفا لا يصبر عن الشهوات، وعلى مشاق الطاعات. قال ابن عطية : ثم بعد هذا المقصد أي : تخفيف اللّه بإباحة الإماء، يخرج الآية مخرج التفضل، لأنها تتناول كل ما خفف اللّه عن عباده وجعله الدين يسرا، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب. قال الراغب : ووصف الإنسان بأنه خلق ضعيفا، إنما هو باعتباره بالملأ الأعلى نحو : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ «١» أو باعتباره بنفسه دون ما يعتريه من فيض اللّه ومعونته، أو اعتبارا بكثرة حاجاته وافتقار بعضهم إلى بعض، أو اعتبارا بمبدئه ومنتهاه كما قال تعالى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ «٢» فأما إذا اعتبر بعقله وما أعطاه من القوة التي يتمكن بها من خلافة اللّه في أرضه ويبلغ بها في الآخرة إلى جواره تعالى، فهو أقوى ما في هذا العالم. ولهذا قال تعالى : وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا «٣». وقال الحسن : ضعيفا لأنه خلق من ماء مهين. قال اللّه تعالى : الذي خلقكم من ضعف.
وقرأ ابن عباس ومجاهد : وخلق الإنسان مبنيا للفاعل مسندا إلى ضمير اسم اللّه، وانتصاب ضعيفا على الحال. وقيل : انتصب على التمييز. لأنه يجوز أن يقدر بمن، وهذا ليس بشيء. وقيل : انتصب على إسقاط حرف الجر، والتقدير : من شيء ضعيف، أي من طين، أو من نطفة وعلقة ومضغة. ولما حذف الموصوف والجار انتصبت الصفة بالفعل نفسه. قال ابن عطية : ويصح أن يكون خلق بمعنى جعل، فيكسبها ذلك قوّة التعدي إلى مفعولين، فيكون قوله : ضعيفا مفعولا ثانيا انتهى. وهذا هو الذي ذكره من أنّ خلق يتعدى إلى اثنين بجعلها بمعنى جعل، لا أعلم أحدا من النحويين ذهب إلى ذلك، بل الذي ذكر الناس أنّ من أقسام جعل أن يكون بمعنى خلق، فيتعدّى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى :
وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ «٤» أما العكس فلم يذهب إلى ذلك أحد فيما علمناه،
(١) سورة النازعات : ٧٦/ ٢٧.
(٢) سورة الروم : ١٩/ ٥٤.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ٧٠.
(٤) سورة الأنعام : ٦/ ١.