البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٢
قائم، فأما انتصابه على الحال من اسم اللّه فعاملها شهد، إذ هو العامل في الحال، وهي في هذا الوجه حال لازمة، لأن القيام بالقسط وصف ثابت للّه تعالى.
وقال الزمخشري : وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه، أي : من اللّه، كقوله وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً «١». انتهى. وليس من الحال المؤكدة، لأنه ليس من باب : وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا
«٢» ولا من باب : أنا عبد اللّه شجاعا. فليس قائِماً بِالْقِسْطِ بمعنى : شهد، وليس مؤكدا مضمون الجملة السابقة في نحو : أنا عبد اللّه شجاعا، وهو زيد شجاعا. لكن في هذا التخريج قلق في التركيب، إذ يصير كقولك : أكل زيد طعاما وعائشة وفاطمة جائعا.
فيفصل بين المعطوف عليه والمعطوف بالمفعول، وبين الحال وذي الحال بالمفعول والمعطوف، لكن بمشيئة كونها كلها معمولة لعامل واحد، وأما انتصابه على الحال من الضمير الذي هو : هو، فجوّزه الزمخشري وابن عطية.
قال الزمخشري : فإن قلت : قد جعلته حالا من فاعل : شهد، فهل يصح أن ينتصب حالا من : هو، في : لا إِلهَ إِلَّا هُوَ؟
قلت : نعم! لأنها حال مؤكدة، والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها، كقوله : أنا عبد اللّه شجاعا. انتهى. ويعني. أن الحال المؤكدة لا يكون العامل فيها النصب شيئا من الجملة السابقة قبلها، وإنما ينتصب بعامل مضمر تقديره : أحق، أو نحوه مضمرا بعد الجملة، وهذا قول الجمهور. والحال المؤكدة لمضمون الجملة هي الدالة على معنى ملازم للمسند إليه الحكم، أو شبيه بالملازم، فإن كان المتكلم بالجملة مخبرا عن نفسه، فيقدر الفعل : أحق، مبنيا للمفعول، نحو : أنا عبد اللّه شجاعا، أي : أحق شجاعا. وإن كان مخبرا عن غيره نحو : هو زيد شجاعا، فتقديره : أحقه شجاعا.
وذهب الزجاج إلى أن العامل في هذه الحال هو الخبر بما ضمن من معنى المسمى، وذهب ابن خروف إلى أنه المبتدأ بما ضمن من معنى التنبيه. وأما من جعله حالا من الجميع، على ما ذكر، فرد بأنه لو جاز ذلك لجاز : جاء القوم راكبا، أي : كل واحد منهم.
وهذا لا تقوله العرب.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٩١.
(٢) سورة مريم : ١٩/ ١٥.


الصفحة التالية
Icon