البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٧٣
والحسن : هو قولهم : نحن أبناء اللّه وأحباؤه لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى «١» كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا «٢» وفي الآية دلالة على الغض ممن يزكي نفسه بلسانه ويصفها بزيادة الطاعة والتقوى والزلفى عند اللّه. وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«واللّه إني لأمين في السماء، أمين في الأرض»
حين قال له المنافقون : اعدل في القسمة، إكذاب لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه، وشتان من شهد اللّه له بالتزكية، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم. قاله الزمخشري وفيه بعض تلخيص.
قال الراغب ما ملخصه : التزكية ضربان : بالفعل، وهو أن يتحرى فعل ما يظهره وبالقول، وهو الإخبار عنه بذلك ومدحه به. وحظر أن يزكي الإنسان نفسه، بل أن يزكي غيره، إلا على وجه مخصوص. فالتزكية إخبار بما ينطوي عليه الإنسان، ولا يعلم ذلك إلا اللّه تعالى.
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ بل : إضراب عن تزكيتهم أنفسهم، إذ ليسوا أهلا لذلك.
واعلم أنّ المزكي هو اللّه تعالى، وأنه تعالى هو المعتد بتزكيته، إذ هو العالم ببواطن الأشياء والمطلع على خفياتها. ومعنى يزكي من يشاء أي : من يشاء تزكيته بأن جعله طاهرا مطهرا، فذلك هو الذي يصفه اللّه تعالى بأنه مزكي.
وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا إشارة إلى أقلّ شيء كقوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «٣» فإذا كان تعالى لا يظلم مقدار فتيل، فكيف يظلم ما هو أكبر منه؟ وجوزوا أن يعود الضمير في : ولا يظلمون، إلى الذين يزكون أنفسهم، وأن يعود إلى من على المعنى، إذ لو عاد على اللفظ لكان : ولا يظلم وهو أظهر، لأنه أقرب مذكور، ولقطع بل ما بعدها عن ما قبلها. وقيل : يعود على المذكورين من زكى نفسه، ومن يزكيه اللّه. ولم يذكر ابن عطية غير هذا القول.
وقال الزمخشري : ولا يظلمون أي، الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم، أو من يشاء يثابون ولا ينقصون من ثوابهم ونحوه، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى انتهى. وقرأ الجمهور : ألم تر بفتح الراء. وقرأ السلمي : بسكونها إجراء للوصل مجرى الوقف. وقيل : هي لغة قوم لا يكتفون بالجزم بحذف لام الفعل، بل

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١١١.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٣٥.
(٣) سورة النساء : ٤/ ٤٠.


الصفحة التالية
Icon