البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٧٤
يسكنون بعده عين الفعل. وقرأ الجمهور : ولا يظلمون بالياء. وقرأت طائفة : ولا تظلمون بتاء الخطاب، وانتصاب فتيلا. قال ابن عطية : على أنه مفعول ثان، ويعني على تضمين تظلمون معنى ما يتعدى لاثنين، والمعنى : مقدار فتيل، وهو كناية عن أحقر شيء، وإلى أنه الخيط الذي في شق النواة ذهب ابن عباس وعطاء ومجاهد، وإلى أنه ما يخرج من بين الأصابع أو الكفين بالفتل ذهب ابن عباس أيضا. وأبو مالك والسدي، وإلى أنه نفس الشق ذهب الحسن.
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ هو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم. ولمّا خاطبه أولا بقوله :
أَلَمْ تَرَ «١» أي ألا تعجب لهؤلاء الذين يزكون أنفسهم؟ خاطبه ثانيا بالنظر في كيفية افترائهم الكذب على اللّه، وأتى بصيغة يفترون الدالة على الملابسة والديمومة، ولم يخص الكذب في تزكيتهم أنفسهم، بل عمم في ذلك وفي غيره. وأي ذنب أعظم ممن يفتري على اللّه الكذب وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً «٢» فمن أظلم ممن كذب على اللّه.
وكيف : سؤال عن حال، وانتصابه على الحال، والعامل فيه يفترون، والجملة في موضع نصب بانظر، لأن انظر معلقة. وقال ابن عطية : وكيف يصح أن يكون في موضع نصب بيفترون؟ ويصح أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر في قوله : يفترون انتهى.
أما قوله : يصح أن يكون في موضع نصب بيفترون فصحيح على ما قررناه، وأما قوله ويصح أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر في قوله يفترون، فهذا لم يذهب إليه أحد، لأنّ كيف ليست من الأسماء التي يجوز الابتداء بها، وإنما قوله : كيف يفترون على اللّه الكذب في التركيب نظير كيف يضرب زيد عمرا، ولو كانت مما يجوز الابتداء بها ما جاز أن يكون مبتدأ في هذا التركيب، لأنه ذكر أنّ الخبر هي الجملة من قوله : يفترون، وليس فيها رابط يربط هذه الجملة بالمبتدأ، وليست الجملة نفس المبتدأ في المعنى، فلا يحتاج إلى رابط.
فهذا الذي قال فيه : ويصح، هو فاسد على كل تقدير.
وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً تقدّم الكلام في نظير وكفى به. والضمير في : به، عائد على الافتراء، وهو الذي أنكر عليهم. وقيل : على الكذب. وقال الزمخشري : وكفى بزعمهم لأنه قال :«كيف يفترون على اللّه الكذب» «٣» في زعمهم أنهم عند اللّه أزكياء، وكفى
(١) سورة النساء : ٤/ ٤٩.
(٢) سورة سبأ : ٣٤/ ٨. [.....]
(٣) سورة النساء : ٤/ ٥٠.