البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٨٧
فليس له أن يفتي، فإن أفتى فهو عاص وإن كان أميرا جائرا. قيل : ويحمل قول سهل على أنه يترك الفتيا إذا خاف منه على نفسه. وقال ابن خويز منداد : وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان فيه طاعة، ولا تجب فيما كان فيه معصية. قال : ولذلك قلنا : أن أمراء زماننا لا تجوز طاعتهم، ولا معاونتهم، ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم متى غزوا، والحكم من قبلهم، وتولية الإمامة والحسبة، وإقامة ذلك على وجه الشريعة. فإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يخافوا فتصلى معهم تقية، وتعاد الصلاة فيما بعد. انتهى.
واستدل بعض أهل العلم على إبطال قول من قال : بإمام معصوم بقوله : وأولي الأمر منكم. فإنّ الأمراء والفقهاء يجوز عليهم الغلط والسهو، وقد أمرنا بطاعتهم. ومن شرط الإمام العصمة فلا يجوز ذلك عليه، ولا يجوز أن يكون المراد الإمام لأنه قال في نسق الخطاب : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول، فلو كان هناك إمام مفروض الطاعة لكان الرد إليه واجبا، وكان هو يقطع التنازع، فلما أمر برد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة دون الإمام، دلّ على بطلان الإمامة. وتأويلهم : أنّ أولي الأمر عليّ رضي اللّه عنه فاسد، لأنّ أولي الأمر جمع، وعليّ واحد. وكان الناس مأمورين بطاعة أولي الأمر في حياة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وعليّ لم يكن إماما في حياته، فثبت أنهم كانوا أمراء، وعلى المولى عليهم طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية. فكذلك بعد موتهم في لزوم اتباعهم طاعتهم ما لم تكن معصية. وقال أبو عبد اللّه الرازي : وأولي الأمر منكم إشارة إلى الإجماع، والدليل عليه أنه أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر بطاعته على الجزم والقطع لا بد أن يكون معصوما عن الخطأ، وإلّا لكان بتقدير إقدامه على الخطأ مأمورا باتباعه، والخطأ منهى عنه، فيؤدّي إلى اجتماع الأمر والنهي في فعل واحد باعتبار واحد، وأنه محال. وليس أحد معصوما بعد الرسول إلا جمع الأمة أهل العقد والحلّ، وموجب ذلك أنّ إجماع الأمة حجة.
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ قال مجاهد، وقتادة، والسدي، والأعمش، وميمون بن مهران : فردوه إلى كتاب اللّه، وسؤال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حياته، وإلى سنته بعد وفاته. وقال قوم منهم الأصم : معناه قولوا : اللّه ورسوله أعلم. وقال الزمخشري : فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر في شيء من أمور الدين فردوه ارجعوا فيه إلى


الصفحة التالية
Icon