البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٨٨
الكتاب والسنة انتهى. وقد استدل نفاة القياس ومثبتوه بقوله : فردوه إلى اللّه ورسوله، وهي مسألة يبحث فيها في أصول الفقه.
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ شرط وجوابه محذوف، أي : فردوه إلى اللّه والرسول. وهو شرط يراد به الحض على اتباع الحق، لأنه ناداهم أولا بيا أيها الذين آمنوا، فصار نظير : إن كنت ابني فأطعني. وفيه إشعار بوعيد من لم يرد إلى اللّه والرسول.
ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ذلك الرد إلى الكتاب والسنة، أو إلى أن تقولوا : اللّه ورسوله أعلم. وقال قتادة، والسدي، وابن زيد : أحسن عاقبة. وقال مجاهد : أحسن جزاء. وقيل : أحسن تأويلا من تأويلكم أنتم. وقالت فرقة : المعنى : أن اللّه ورسوله أحسن نظرا وتأويلا منكم إذا انفردتم بتأويلكم.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً ذكر في سبب نزولها قصص طويل ملخصه :
أنّ أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضي بين اليهود، فتنافر إليه نفر من أسلم، أو أنّ قيسا الأنصاري أحد من يدعي الإسلام ورجلا من اليهود تداعيا إلى الكاهن وتركا الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما دعا اليهودي إلى الرسول، والأنصاري يأبى إلا الكاهن. أو أنّ منافقا ويهوديا اختصما، فاختار اليهودي الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، واختار المنافق كعب بن الأشرف، فأبى اليهودي، وتحاكما إلى الرسول، فقضى لليهودي، فخرجا ولزمه المنافق، وقال : ننطلق إلى عمر، فانطلقا إليه فقال اليهودي : قد تحاكمنا إلى الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يرض بقضائه، فأقرّ المنافق بذلك عند عمر، فقتله عمر وقال : هكذا أقضي فيمن لم يرض بقضاء اللّه وقضاء رسوله.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بطاعة اللّه ورسوله وأولي الأمر، ذكر أنه يعجب بعد ورود هذا الأمر من حال من يدّعي الإيمان ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت ويترك الرسول. وظاهر الآية يقتضي أن تكون نزلت في المنافقين، لأنه قال : يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، فلو كانت في يهود أو في مؤمن ويهودي كان ذلك بعيدا من لفظ الآية، إلا إن حمل على التوزيع، فيجعل بما أنزل إليك في منافق، وما أنزل من قبلك في يهودي، وشملوا في ضمير يزعمون فيمكن. وقال السدي : نزلت في المنافقين من قريظة والنضير، تفاخروا بسبب تكافؤ دمائهم، إذ كانت