البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٩٨
بقاءه. فقوله : لكان خيرا لهم إشارة إلى الحالة الأولى. وقوله : وأشد تثبيتا إشارة إلى الحالة الثانية. قاله : أبو عبد اللّه الرازي.
وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً قال الزمخشري :
وإذا جواب لسؤال مقدر كأنه قيل : وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبيت؟ فقيل : وإذا لو ثبتوا لآتيناهم. لأنّ إذا جواب وجزاء انتهى. وظاهر قول الزمخشري : لأن إذا جواب وجزاء يفهم منه أنها تكون للمعنيين في حال واحد على كل حال، وهذه مسألة خلاف. ذهب الفارسي إلى أنها قد تكون جوابا فقط في موضع، وجوابا وجزاء في موضع نفي، مثل : إذن أظنك صادقا لمن قال : أزورك، هي جواب خاصة. وفي مثل : إذن أكرمك لمن قال : أزورك، هي جواب وجزاء. وذهب الأستاذ أبو عليّ إلى أنها تتقدر بالجواب والجزاء في كل موضع وقوفا مع ظاهر كلام سيبويه. والصحيح قول الفارسي، وهي مسألة يبحث عنها في علم النحو.
والأجر كناية عن الثواب على الطاعة، ووصفه بالعظم باعتبار الكثرة، أو باعتبار الشرف. والصراط المستقيم هو الإيمان المؤدّي إلى الجنة قاله : ابن عطية. وقيل : هو الطريق إلى الجنة. وقيل : الأعمال الصالحة. ولما فسر ابن عطية الصراط المستقيم بالإيمان قال : وجاء ترتيب هذه الآية كذا. ومعلوم أنّ الهداية قبل إعطاء الأجر، لأن المقصد إنما هو تعديد ما كان اللّه ينعم به عليهم دون ترتيب، فالمعنى : وكهديناهم قبل حتى يكونوا ممن يؤتى الأجر انتهى. وأمّا إذا فسرت الهداية إلى الصراط هنا بأنه طريق الجنة، أو الأعمال الصالحة، فإنه يظهر الترتيب.
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ
قال الكلبي : نزلت في ثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكان شديد الحب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتى ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه فقال :«يا ثوبان ما غير لونك؟» فقال : يا رسول اللّه ما بي مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك، واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك هناك، لأني أعرف أنك ترفع مع النبيين، وإنّي وإن كنت أدخل الجنة كنت في منزل أدنى من منزلك، وإن لم أدخل الجنة فذلك حين لا أراك أبدا.
انتهى قول الكلبي. وحكي مثل قول ثوبان عن جماعة من الصحابة منهم : عبد اللّه بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، وهو الذي أري الأذان قال :