البحر المحيط، ج ٣، ص : ٦٩٩
يا رسول اللّه، إذا مت ومتنا، كنت في عليين فلا نراك ولا نجتمع بك، وذكر حزنه على ذلك، فنزلت.
وحكى مكي عن عبد اللّه هذا أنه لما مات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال : اللهم اعمني حتى لا أرى شيئا بعده، فعمي.
والمعنى في مع النبيين : إنه معهم في دار واحدة، وكل من فيها رزق الرضا بحاله، وهم بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر، وإن بعد مكانه.
وقيل : المعية هنا كونهم يرفعون إلى منازل الأنبياء متى شاؤوا تكرمة لهم، ثم يعودون إلى منازلهم. وقيل : إنّ الأنبياء والصدّيقين والشهداء ينحدرون إلى من أسفل منهم ليتذاكروا نعمة اللّه، ذكره المهدوي في تفسيره الكبير. قال أبو عبد اللّه الرازي : هذه الآية تنبيه على أمرين من أحوال المعاد : الأول : إشراق الأرواح بأنوار المعرفة. والثاني : كونهم مع النبيين. وليس المراد بهذه المعية في الدرجة، فإنّ ذلك ممتنع، بل معناه : إن الأرواح الناقصة إذا استكملت علائقها مع الأرواح الكاملة في الدنيا بقيت بعد المفارقة تلك العلائق، فينعكس الشعاع من بعضها على بعض، فتصير أنوارها في غاية القوة، فهذا ما خطر لي انتهى كلامه. وهو شبيه بما قالته الفلاسفة في الأرواح إذا فارقت الأجساد. وأهل الإسلام يأبون هذه الألفاظ ومدلولاتها، ولكن من غلب عليه شيء وحبه جرى في كلامه.
وقوله : مع الذين أنعم اللّه عليهم، تفسير لقوله : صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ «١» وهم من ذكر في هذه الآية. والظاهر أن قوله : من النبيين، تفسير للذين أنعم اللّه عليهم. فكأنه قيل :
من يطع اللّه ورسوله منكم ألحقه اللّه بالذين تقدمهم ممن أنعم عليهم. قال الراغب : ممن أنعم عليهم من الفرق الأربع في المنزلة والثواب : النبي بالنبي، والصديق بالصديق، والشهيد بالشهيد، والصالح بالصالح. وأجاز الراغب أن يتعلق من النبيين بقوله : ومن يطع اللّه والرسول. أي : من النبيين ومن بعدهم، ويكون قوله : فأولئك مع الذين أنعم اللّه عليهم إشارة إلى الملأ الأعلى. ثم قال : وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «٢» ويبين ذلك
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين الموت «اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى»
وهذا ظاهر انتهى. وهذا الوجه الذي هو عنده ظاهر فاسد من جهة المعنى، ومن جهة النحو. أما من جهة المعنى فإنّ الرسول هنا هو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، أخبر اللّه تعالى أن من يطيعه ويطيع رسوله فهو مع من ذكر، ولو كان من النبيين معلقا بقوله : ومن يطع اللّه والرسول، لكان قوله : من النبيين تفسيرا لمن في قوله : ومن يطع. فيلزم أن يكون في زمان الرسول أو بعده أنبياء يطيعونه، وهذا غير ممكن، لأنه قد

_
(١) سورة الفاتحة : ١/ ٦.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٦٩.


الصفحة التالية
Icon