البحر المحيط، ج ٣، ص : ٧١٠
والمشيد : المطول المرفوع يقال : شيد وأشاد البناء رفعه وطوّله، ومنه أشاد الرجل ذكر الرجل إذا رفعه. الفقه : الفهم. يقال : فقهت الحديث إذا فهمته، وفقه الرجل صار فقيها.
فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ قيل : نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن أحد. ويشرون بمعنى يشترون. والمعنى : أخلصوا الإيمان باللّه ورسوله، ثم جاهدوا في سبيل اللّه. وقيل : نزلت في المؤمنين المتخلفين، ويشرون بمعنى يبيعون ويؤثرون الآجلة على العاجلة، ويستبدلونها بها أمر اللّه تعالى بالجهاد من تخلف من ضعفة المؤمنين.
وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ثم وعد من قاتل في سبيل اللّه بالأجر العظيم، سواء استشهد، أو غلب. واكتفى في الحالتين بالغاية، لأن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل أن يغلب ويغنم، فأشرف الحالتين ما بدء به من ذكر الاستشهاد في سبيل اللّه، ويليها أن يقتل أعداء اللّه، ودون ذلك الظفر بالغنيمة، ودون ذلك أن يغزو فلا يصيب ولا يصاب. ولفظ الجهاد في سبيل اللّه يشمل هذه الأحوال، والأجر العظيم فسر بالجنة. والذي يظهر أنه مزيد ثواب من اللّه تعالى مثل كونهم أحياء عند ربهم يرزقون، لأن الجنة موعود دخولها بالإيمان. وكان الذي فسره بالجنة ينظر إلى قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ «١» الآية.
وقرأ الجمهور : فليقاتل بسكون لام الأمر. وقرأت فرقة : بكسرها على الأصل. وقرأ الجمهور : فيقتل مبنيا للمفعول. وقرأ محارب بن دثار : فيقتل على بناء الفعل للفاعل.
وأدغم باء يغلب في الفاء أبو عمرو والكسائي وهشام وخلاد بخلاف عنه، وأظهرها باقي السبعة. وقرأ الجمهور : نؤتيه بالنون. وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف : يؤتيه بالياء.
وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً هذا الاستفهام فيه حثّ وتحريض على الجهاد في سبيل اللّه، وعلى تخليص المستضعفين. والظاهر أنّ قوله : لا تقاتلون في موضع الحال، وجوزوا أن يكون التقدير :
وما لكم في أن لا تقاتلوا، فلما حذف حرف الجر، وحذف أن، ارتفع الفعل، والمستضعفين هو معطوف على اسم اللّه أي : وفي سبيل المستضعفين. وقال المبرد
(١) سورة التوبة : ٩/ ١١١.